أحيت العديد من المنظمات الدولية والحكومية في الحادي عشر من هذا الشهر، ذكرى اليوم العالمي للبصر World Vision Day 2007، ضمن الجهود المعنية بزيادة الاهتمام العالمي بتفاقم مشكلة فقدان البصر. وحجم هذه المشكلة، يتضح من حقيقة أنه بمرور كل خمس ثوان، يصاب شخص ما بالعمى في مكان ما من العالم، على رغم أن 75%، أو ثلاثة أرباع حالات العمى تلك، تحدث نتيجة أسباب كان من السهل تجنبها من خلال إجراءات وقائية بسيطة، أو من خلال تدخلات علاجية فعالة. ويمكن بوجه عام تقسيم أسباب ضعف وفقدان البصر إلى مجموعتين رئيسيتين. المجموعة الأولى والمعروفة بالعيوب الانكسارية البصرية (Refractive Errors) مثل قِصر النظر، وطول النظر، و"الآستجماتيزم"، تتسبب في الإعاقة البصرية لأكثر من 150 مليون شخص، على رغم أنه من الممكن علاجها بسهولة من خلال النظَّارات الطبية أو العدسات اللاصقة. ولكن بسبب أن 90% من المعاقين بصرياً يعيشون في دول فقيرة ونامية، يعجز هؤلاء عن تحمل تكلفة فحص نظر بسيط، ليتحولوا إلى عالة اجتماعية واقتصادية على مجتمعاتهم بقية أيام حياتهم. المجموعة الثانية من أسباب ضعف وفقدان البصر، وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، تعتبر مسؤولة عن الإعاقة البصرية لأكثر من 160 مليون شخص، منهم 124 مليون شخص ضعيفي النظر، و37 مليون آخرون مصابون بالعمى التام. وتحتوي هذه المجموعة على الأسباب التالية، مرتبة حسب الأهمية: 1- الكاتاراكت أو المياه البيضاء (47.8%) . 2- الجلوكوما أو المياه الزرقاء (12.3%) . 3- التهاب العنبية، أو الغشاء الوسطي في العين (10.2%) . 4- ضمور الشبكية المرتبط بالشيخوخة (8.7%) . 5- قتامة القرنية، أو الجزء الأمامي الشفَّاف من العين (5.1%). 6- مرض الشبكية الناتج عن داء السكري (4.8%). 7- التراكوما (3.6%) . ومن الطبيعي أن يشعر القارئ بالارتباك أمام هذه القائمة من المصطلحات الطبية صعبة النطق وعصيَّة الفهم، لذا سنبسِّط الموضوع بضرب أمثلة على الأسباب التي يمكن علاجها بسهولة، والأسباب التي يمكن الوقاية منها ببساطة. ولعل أفضل مثال على الأسباب التي يمكن علاجها بسهولة نسبية، هو الكاتاراكت أو المياه البيضاء. فهذا المرض عبارة عن قتامة تصيب عدسة العين الشفافة تدريجياً، بحيث تتلون في النهاية باللون الأبيض. وتتسبب الكاتاراكت في ضعف تدريجي في الرؤية، ينتهي بالعمى التام إن لم يتم علاجها. وتتراوح أسباب الكاتاراكت من عيوب خلقية بعد الولادة، إلى الشيخوخة والتقدم في السن، أو كنتيجة مضاعفات بعض الأمراض المزمنة كداء السكري. وكثيراً ما تنتج الكاتاراكت عن الأشعة فوق البنفسجية، من خلال التعرض لفترات طويلة لأشعة الشمس. وتعتبر الكاتاراكت السبب الرئيسي لفقدان البصر حول العالم، حيث تتحمل المسؤولية عن قرابة نصف حالات العمى، وخصوصاً في الدول الفقيرة. وإن كان هذا لا يعني أن شعوب الدول الغنية تنجو من هذا المرض، حيث تشير الدراسات إلى تعرض 40% من سكان الولايات المتحدة بين سن الثانية والخمسين والأربعة والستين لتغيرات في شفافية العدسة، وترتفع هذه النسبة إلى 60% لمن تخطوا سن الخامسة والستين. ورغم انتشار الكاتاراكت بشكل واسع، وتسببها في عشرات الملايين من حالات العمى، إلا أنه يمكن علاجها بسهولة ويُسر، من خلال جراحة تتم تحت مخدر موضعي، تتيح للمريض العودة لمنزله في نفس اليوم، وقد استعاد بصره بشكل كبير. وفي قائمة أسباب فقدان البصر التي يمكن الوقاية منها، يحتل مرض السكري مكانة خاصة، بسبب الانتشار الواسع الذي يشهده هذا المرض بين دول العالم المختلفة حالياً، وخصوصا دول الخليج التي تحتل مراكز متقدمة على صعيد نسبة الانتشار بين سكانها. ويمكن تجنب حالات العمى الناتج عن مرض السكري، من خلال ضبط مستوى السكر في الدم بشكل يمنع أو يؤجل تأثيره على شبكية العين، ومن خلال الفحص الدوري واستخدام الليزر لوقف نزيف الشبكية الذي ينتج عنه. والمرض الآخر الذي يعتبر ضمن أهم أسباب فقدان البصر الممكن تجنبها بسهولة، هو التراكوما. ويصيب هذا المرض حسب الإحصائيات الدولية، حوالى 84 مليون شخص حول العالم، مسبباً فقدان البصر التام لدى ثمانية ملايين منهم. والتراكوما مرض مُعدٍ، تنتقل الجرثومة المسببة له عن طريق الاتصال بإفرازات العينين أو الأنف للشخص المريض. ويعتبر الذباب من أهم وسائل انتقال هذا المرض، وخصوصاً بين الأطفال في المناطق الريفية. ويتسبب تكرار الإصابة بهذا المرض، في خشونة الجفن الداخلي للعين، الذي يتسبب بدوره في قتامة القرنية وفقدان البصر تدريجياً. وعلى رغم أنه من الممكن علاج التراكوما بسهولة، من خلال المضادات الحيوية الموضعية، إلا أنه لا زال يتسبب في أكثر من 3% من حالات العمى التي تصيب أفراد الجنس البشري. وبخلاف التراكوما، تعتبر العيوب الخلقية عند الولادة، من الأسباب الرئيسية لفقدان البصر بين الأطفال. حيث يوجد حالياً قرابة المليون ونصف مليون طفل دون سن الخامسة عشر مصابين بالعمى، على رغم أن نصف هذه الحالات كان يمكن تجنبها من خلال التدخل الطبي في مراحل عمرهم المبكرة. ولذا، بمرور كل دقيقة من كل ساعة من كل يوم، يفقد طفل بصره في مكان ما من العالم لسبب كان في الغالب من الممكن تجنبه، وهي المأساة التي لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا.