قبل الدخول في الموضوع نود إيراد النص التالي لأستاذ اللغويات الأميركي والتر أونج، حيث يقول: "النص الذي يقول ما يعرف العالم كله أنه باطلٌ، سيظل يقول هذا البطلان للأبد، ولهذا ظهرت فكرة حرق الكتب". برغم صحة هذه الفكرة أو النظرية الإنسانية، إلا أن العرب المسلمين هم الأمة الوحيدة من دون الأمم التي تصور تاريخها بصورة ملائكية في قضية حرق الكتب, حيث يأخذ المهووسون بما يسمى خطأ بالحضارة الإسلامية، بالتشدق بفضيلة تكريم الخلفاء للعلماء، وأن هذه الحضارة التليدة لم تشهد حرقاً للكتب, ثم يأخذون بالتشنيع على الحضارة الغربية التي شهد تاريخها فصولاً سوداء ضد العلماء والمفكرين. لكن، هل التاريخ الإسلامي بهذا النقاء الذي يدعيه هؤلاء المتشدقون؟ هل يمكن القول فعلاً إن تاريخنا في قضية حرق الكتب لا وجود له؟ والحقيقة بخلاف ذلك تماماً, ولهذا السبب أسميت المقال "تاريخ العرب الهباب في حرق الكتاب", والهباب هو الوسخ الأسود الناتج عن الدخان, أيّاً كان مصدره, لأن هذه الحقيقة يتجاهلها المكابرون والمعاندون للحق والقول الفصل في هذه القضية المهمة. وقد أعفانا الكاتب السعودي ناصر الحزيمي من مشقة البحث، ووفر للقارئ العربي فصولاً سوداء من تاريخه الهباب في حرق الكتاب, وذلك في كتابه الموجز "حرق الكتب في التراث العربي", ننقل للقارئ على أي نوع كان، إسلامياً أو ليبرالياً أو حتى " نص ..نص ", بعضاً من هذه النصوص، لعل هناك من يسمع ويعقل، وتنتهي عنده حالة النوستالجيا (على القارئ مهمة البحث عن معنى الكلمة) التاريخية. وعملية حرق وإتلاف الكتب في تاريخنا الأقصر عمراً بين تواريخ البشرية، متنوعة ولله الحمد، يعني مثل حال أسواقنا وجمعياتنا التعاونية اليوم, حيث قسّم الكاتب الحزيمي عملية الحرق والإتلاف إلى نوعين : الأول، ما قامت به السلطة، والثاني، ما قام به العلماء والفقهاء بأنفسهم! ولا أدري إن كانت أوروبا قد شهدت الحدث الثاني, وربما تفرد العرب المسلمون به، أليسوا أمة خارج نطاق التغطية البشرية؟ ولنسرح ونمرح في ظلال تاريخنا المجيد. يقول الكاتب الحزيمي: "تعددت طرق إتلاف الكتب في تراثنا، إلا أنها لم تخرج عن أربع طرق معروفة ومعهودة: أولاً: إتلاف الكتب بالحرق. ثانياً: إتلاف الكتب بالدفن. ثالثاً: إتلاف الكتب بالغسل بالماء والإغراق. رابعاً: إتلاف الكتب بالتقطيع والتخريق. (ما شاء الله على هذا التنوع التاريخي الشيق، وللحق هذه الزيادة من عندي حتى لا نتقول على الكاتب ما لم يقله). ويهنا في كل هذه التفاصيل الجانب الأول, أي جانب الحرق. في سنة 82 هجرية أمر الخليفة سليمان بن عبدالملك بحرق نسخ مكتوبة ورد فيها ذكر الأنصار في غزوة بدر وبيعتيْ العقبة, لأنه لم يكن يرى للأنصار هذا الفضل! في سنة 163 هجرية أمر الخليفة المهدي بتقطيع كتب أنصار المُقنَّع الذي خرج عليه بخراسان، وذلك بعد أن قتلهم وصلبهم.(على فكرة كانوا من المسلمين). في سنة 322 هجرية: قال ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ"... وفيها أحضر أبو بكر بن مقسم (وهو من النوابغ في عصره) ببغداد وقيل له إنه: قد ابتدع قراءة لم تعرف وأحضر ابن مجاهد والقضاة والقراء، وناظروه فاعترف بالخطأ وتاب منه، وأحرق كتبه. ولمن يرغب في التعرف على المزيد من تاريخ العرب الهباب في حرق وإتلاف الكتاب، قراءة هذا الكتاب القيِّم، الذي فضحنا فيه على رؤوس الأشهاد اعتماداً على ما ورد في تاريخنا، الذي لم يقرأه المسلمون قط.