في عام 1985 وبينما كان العلماء يدرسون نوعية الهواء في القطب الجنوبي المتجمد اكتشفوا ثقباً في الغلاف الجوي الذي يعرف بالأوزون يرجع إلى مليارات السنين، ويجعل من الأرض مكاناً قابلا للحياة. وشكل الاكتشاف الذي أطلق عليه أحد العلماء لاحقاً "مفاجأة القرن" حدثاً غير متوقع إلى حد دفع المهتمين إلى اعتباره مجرد معطى من المعطيات العلمية، التي يتعين التعامل معها. لكن سرعان ما اتخذ الأمر أبعاداً أخرى عندما اكتشف العلماء وجود علاقة بين ثقب الأوزون واستخدام بعض المواد الكيماوية المركبة كتلك الموجودة في المحاليل المختلفة والمستعملة في عملية التبريد ومبيدات الرش. وكان الخطر الذي تمثله المواد الكيماوية على طبقة الأوزون قد اكتشف منذ عام 1974، حيث بادر كل من القطاع الصناعي والحكومات إلى اعتماد بدائل أكثر أمناً بالنسبة لطبقة الأوزون. غير أن التحرك الحقيقي للأطراف المعنية لم يبدأ فعلياً إلا عندما التقطت الأقمار الاصطناعية صوراً تُظهر ثقب الأوزون واضحاً يتوسط السماء، ليتحول إلغاء استخدام المواد الكيماوية إلى مطلب ملح. وبتاريخ 16 سبتمبر 1987، وقعت مجموعة من الدول على بروتوكول مونتريال، وهي المعاهدة التي توسعت فيما بعد وأفضت إلى منع 95% من المواد المضرة بطبقة الأوزون. وتخليداً للذكرى العشرين للتوقيع على المعاهدة اجتمع قبل بضعة أيام دبلوماسيون وعلماء ومهتمون بقضايا البيئة في مدينة مونتريال الكندية لمناقشة ما يمكن اتخاذه من خطوات جديدة لإنهاء الأخطار المحدقة بالأوزون. والأكثر من ذلك أن العديد من الفعاليات المشاركة اتخذت من اللقاء فرصة لتعزيز فكرة مماثلة فيما يخص التغيرات المناخية والتشديد على أن النجاح الذي تحقق في مجال الحفاظ على طبقة الأوزون يمكن استنساخه أيضا لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري. ومن المتوقع أن تبدأ مباحثات دولية جديدة حول التغييرات المناخية بمقر الأمم المتحدة، بالإضافة إلى اجتماع آخر بواشنطن ينظمه البيت الأبيض. وفي هذا الإطار يصر بعض المدافعين عن البيئة وطبقة الأوزون أن نجاح بروتوكول مونتريال يمثل نموذجاً للاحتذاء. ويؤكد هذا الطرح "ديفيد دونجر"، أحد النشطاء الأوائل الذين ناضلوا من أجل قضية الأوزون قائلاً "إن الدرس المستخلص من مونتريال هو أن خفض الاحتباس الحراري لن يكون بالصعوبة المتصورة". لكن العديد من الخبراء الذين يحيطون بتفاصيل الحملة الأولى لحماية الأوزون ومعاهدة 1987 من المتخصصين في المجالات العلمية، أو الدبلوماسية، أو الاقتصادية، أكدوا أنه في الوقت الذي توجد فيه بعض نقاط التشابه بين الحملة الحالية المطالبة بخفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وحملة الحفاظ على الأوزون، إلا أن هناك العديد من نقاط الاختلاف أيضاً. ومعروف أن الجزيئات التي يتشكل منها غشاء الأوزون من أكسجين وغيرها تقوم بدور أساسي في حماية سطح الأرض من الأشعة فوق البنفسجية المسببة لسرطان الجلد، فضلاً عن الضرر الذي تلحقه بالنبات والحيوان. لذا عندما كشف العالمان "شيروود رولاند" وماريو مولينا" في العام 1974 بأن المواد الكيماوية التي تطلق في الجو وتصعد إلى الأوزون تلحق به ضرراً بالغاً انتبه الجميع وانتظروا التوضيحات. والواقع كما تقول "سوزان سولومون"، عالمة في وكالة المحيطات والأجواء الأميركية، كان الخوف من السرطان هو من دفع بموضوع الأوزون إلى حلبة النقاش العام. وتقول "سولومون" في هذا الصدد: "إن سرطان الجلد مسألة شخصية، ولا يوجد شخص لا يعرف أحداً أصيب بالسرطان لذا يتخذ الموضوع بعداً شخصياً". والحال أن التغييرات المناخية والاحتباس الحراري تعتبر قضايا بعيدة عن المجال الشخصي ولا يشعر بها الأفراد، موضحة ذلك بقولها "معظم الأشخاص لا يهتمون بالاحتباس الحراري إلا إذا كانوا يقطنون بإحدى الجزر التي غمرتها مياه البحر". واللافت أنه منذ الثمانينيات، وحتى مع استمرار الشكوك العلمية إزاء حجم الخطورة المحدقة بطبقة الأوزون، سارعت الحكومات ومعها الشركات في اتخاذ الإجراءات الضرورية لتقليص استخدام المواد الكيماوية المضرة بالأوزون. ويرجع السبب إلى توفر البدائل وانخفاض التكاليف، حيث انضمت كندا إلى الجهود الأميركية والدول الإسكندنافية لحظر الاستخدامات "غير الضرورية" للمواد الكيماوية، وذلك منذ 1978 أي بعد ثلاث سنوات فقط على نشر دورية "ناتشر" مقالاً تربط فيه بين المواد الكيماوية وثقب الأوزون. وقد استغل مجلس حماية الموارد الطبيعة الأميركي القانون، الذي يحظر استخدام بعض المواد الكيماوية، الذي وضع في أواخر إدارة الرئيس جيمي كاتر لرفع قضية في المحاكم عام 1984 دفعت وكالة حماية البيئة إلى توسيع رقعة الحظر لتشمل أنواعا أخرى من المواد الكيماوية. في هذا الإطار يقول "روجر بيلك"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "كولورادو" "لقد أزالت القضية التي رفعها مجلس حماية الموارد الطبيعية عبء إثبات ضرر المواد الكيماوية بطبقة الأوزون إلى ضرورة إثبات الطرف الآخر أنه لا يوجد ضرر". ومع ذلك ظلت بعض العوائق تحول دون تطبيق القانون على نحو فعال بسبب الاستخدام الكثيف للمواد الكيماوية، وبسبب الشكوك العلمية التي لم تحسم بعد في مسألة الربط بين تلك المواد وثقب الأوزون. لكن بحلول 1985 تبددت الشكوك عندما انعقد مؤتمر علمي أكد العلاقة بين المواد الكيماوية وثقب الأوزون ونشأ إجماع عالمي يحذر من المواد الكيماوية، لا سيما تلك التي تظل عالقة في الجو لفترة طويلة. أندرو ريفكن ـــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ـــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"