فشل كثير من نماذج الوحدة العربية، واستمر مجلس التعاون الخليجي بالرغم من كل العواصف التي عصَفت بالمنطقة العربية. وبالرغم من المطالب الشعبية على مستوى دول المجلس نحو مزيد من التوحد إلا أن القيادات السياسية مازالت خطواتها بطيئة مقارنة بقواعدها الشعبية. الإقليم الخليجي يحظى بأهمية استراتيجية عبر التاريخ، وتعرض إلى هزات عنيفة كان أبرزها احتلال الكويت والحرب العراقية- الإيرانية، وهي هزات أكلت الكثير من اقتصاديات النفط، وغيَّرت من ملامح مفهوم الأمن القومي أو الوطني لدول المنطقة. كنا نعتقد أن إزاحة صدام حسين من الحكم ستعيد الاستقرار للمنطقة، ولكن المتغيرات على أرض الواقع تؤكد أن الأوضاع تتفاقم نتيجة للخلل في موازين القوى، فغياب العراق الموحّد شجع إيران على ملء الفراغ، حيث استطاعت أن تتحول إلى لاعب أساسي ليس في الإقليم الخليجي فقط، وإنما على مستوى الشرق الأوسط كله. مجلس التعاون يملك كثيراً من الإمكانيات السياسية والاقتصادية، ما يمكنه من تطوير آليات تعاون تحقق الكثير من التقارب بين دوله. غير أن الخلافات الخليجية بحاجة إلى مراجعة دقيقة وإلى حسبة استراتيجية قائمة على مصالح دول المنطقة. الولايات المتحدة الأميركية ترتبط بعلاقات قوية مع دول المنطقة، ولديها وجود عسكري في بعض هذه الدول، وهذا التواجد فرضه تعقد الظروف الإقليمية من ناحية، وضعف قدرات دول المنطقة في الدفاع عن نفسها في حالة تعرضها لأي هجوم محتمل من ناحية أخرى، خاصة أن دول مجلس التعاون لم تعد لديها الثقة في النظام العربي لتوفير الحماية لها، حيث فشل هذا النظام إبان احتلال الكويت، ما دفع دول المنطقة الخليجية إلى مزيد من التحالف مع أميركا والغرب. إيران دولة لديها مصالحها وهي تسعى إلى تعزيز نفوذها عبر التسلح النووي، الذي يمنحها نفوذاً إقليمياً في الشرق الأوسط، وهي تعمل لتعزيز نفوذها في العراق وفلسطين ولبنان، وتسعى إلى الوصول إلى صيغة تفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية، ولذا يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أخذ الحيطة من احتمال الوصول إلى صيغة إيرانية- أميركية تضمن المصالح الغربية الأميركية وتمنح إيران النفوذ والهيمنة على منطقة الخليج. والملاحظ أن إيران وأميركا بالرغم من العلاقة العدائية الظاهرة إلا أنهما تمتلكان قنوات من التواصل، وهي قنوات فاعلة قد تؤدي إلى التوصل إلى صيغة تعاونية جديدة على حساب دول مجلس التعاون الخليجي. دول مجلس التعاون تمر بمرحلة عسيرة في علاقاتها، وخصوصاً العلاقة السعودية- القطَرية التي ينبغي التوقف عندها لما فيه مصلحة البلدين. فالمملكة لاعب أساسي في الساحة العربية والدولية، وهي دولة تسعى إلى الوصول إلى صيغة جديدة في علاقاتها مع واشنطن. وتحاول السعودية إعادة مفهوم الأمن الخليجي إلى طاولة البحث بين الأشقاء. فقد صرح وزير الخارجية السعودي في لقاء البحرين في 2004 حول إعادة النظر في مفهوم الأمن الخليجي، الذي تأسست فكرته في ظروف تاريخية مختلفة فرضتها طبيعة المتغيرات السياسية في تلك الفترة. وكذلك دعوة الوزير السعودي إلى مزيد من الانفتاح على الهند والصين، وربما جاءت كلمة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في لقاء القمة العربية في الرياض لكي تؤكد رغبة سعودية في صياغة مفهوم جديد للعلاقة مع واشنطن. على دول المجلس البحث في استراتيجية جديدة للتعاون منطلقة من طبيعة المتغيرات الجديدة المؤثرة في مصالحها، وليس المصالح الأميركية فقط. وتيرة التغيير سريعة، والعواصف السياسية ضخمة، وعلى دول المجلس استيعاب الخبرات التاريخية والتعلم من تجارب الماضي لكي لا تدفع الثمن غالياً لتحالفها مع واشنطن.