سُكنت الوظائف المدنية لموظفي دوائر حكومة دبي على سلم الوظائف الجديد مع بداية سريان قانون الموارد البشرية الجديد بداية أغسطس الماضي. وما إن استلم موظفو الدوائر المختلفة خطابات التسكين على سلم الدرجات الجديد حتى اجتاحت دوائر حكومة دبي ثورة تصاعدت ووصلت أصداؤها إلى وسائل الإعلام المختلفة، فتصدر زلزال التسكين العناوين الرئيسية، فاشتكى الموظفون والموظفات من جور تسكين الوظائف على السلم الجديد، وكأحجار الدومينو المتساقطة، انتقل الاستياء لدوائر أخرى، وسارعت إدارات الموارد البشرية في الدوائر المختلفة للبحث عن مخارج لامتصاص غضب موظفيها، فعرضت قبول تظلمات مواردها البشرية على التسكين، وقامت دوائر أخرى باجتماعات موسعة مع موظفيها ليناقش مسؤولوها معايير التسكين المعتمدة، ووصلت في بعض الدوائر إلى مناقشة كل موظف على حدة للوصول بالدوائر إلى بر الأمان، ظهرت مؤشرات عامة بتسكين لم يلبِ طموحات تصاعدت طوال ما يزيد عن سنة وتوقعات بأرقام للرواتب وميزات لم تحملها خطابات التسكين. تم التسكين بعد أن قام فريق مختص من المجلس التنفيذي وفي إطار مشروع تطوير الموارد البشرية لإمارة دبي بإعداد نظام متكامل لتقييم الوظائف تم على أساسه تحديد ثلاث مراحل للتقييم في إطار زمني، من خلال تحديد نطاق وحجم الدائرة، وتحديد فئة الوظائف، وتقييم الوظائف، استناداً إلى نظام عالمي للتقييم تم اعتماده، يهدف إلى إيجاد هيكل تنظيمي موحد يعتمد على ترتيب وتصنيف الوظائف بشكل متسلسل ومتدرج بهدف إيجاد ثقافة مشتركة بين الدوائر الحكومية تساعد على تأسيس نظام لتحفيز الموارد البشرية. وتم تحديد مسارين للوظائف إداري، وفني، وارتكزت عملية تقييم الوظائف الحكومية على أساس سبعة معايير أساسية اعتمدها الفريق بالتعاون مع إدارات الموارد البشرية وهي: المعرفة الوظيفية، المعرفة الإدارية العامة، القيادة، حل المشكلات، طبيعة التأثير، مجال التأثير، المهارات الشخصية. وخلال الأشهر الماضية قام الفريق بشرح هذه المعايير لموظفي حكومة دبي من مختلف الدوائر الحكومية، ودارت نقاشات حول معايير التسكين المعتمدة والدرجات الوظيفية التي كانت معتمدة في النظام السابق للموارد البشرية لموظفي دبي، خاصة أن قانون الموارد البشرية الجديد اعتمد معايير مستحدثة للرواتب لا تستند إلى الدرجات الوظيفية السابقة، وفي الحقيقة لم تتضح الصورة لمعظم الموظفين، فكان انتظار خطابات التسكين التي حملت الدرجات الوظيفية الجديدة ومعها المفاجآت. أوضح القائمون على المشروع في جولاتهم التعريفية والتقييمية المتلاحقة أن نظام تسكين الوظائف يعتمد على تقييم الوظيفة لا شاغل الوظيفة بغض النظر عن خبراته الوظيفية أو مستواه الأكاديمي، بهدف توحيد هيكل الرواتب لكل الدوائر الحكومية، وهو كلام جميل ومنطقي نظرياً، لكن واقع الحال يقول إن شاغلي الوظيفة ذاتها في الدائرة نفسها لهم مستويات تعليمية وخبرات متفاوتة، وإذا كانت خبرات وشهادات شاغل الوظيفة أعلى من متطلبات الوظيفة، فهذا يرجع بشكل أساسي إلى محدودية الحراك الوظيفي في الإدارات العليا، والتي وبشكل أساسي تُقيد بالميزانية المالية للدائرة ووجود شاغر، وعليه يصبح تقييم الوظيفة فيه إجحاف لشاغلها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن سلم الوظائف السابق يفصل بين سلم الدرجات والدرجة الوظيفية أو المسمى الوظيفي، وهي نقطة سلبية طالما أخذت على النظام وأوجدت مساحة للتحايل من الدوائر الحكومية، فعلى سبيل المثال لم يحدد القانون السابق الدرجة الوظيفية التي يفترض أن يشغلها الموظف على الدرجات الإشرافية أو الإدارية العليا كرؤساء الأقسام ورؤساء الشعب، فوجد التفاوت بين دوائر توزع مناصبها الإشرافية على حملة الدرجات الجامعية أو أقل، وبين أخرى لا تضع معايير لشغل الوظيفية الإشرافية، وتلك ثغرة تم سدها وفق قانون الموارد البشرية الجديد. المعادلة اليوم تُقيّم الوظيفة لا شاغلها، فإذا كان شاغل الوظيفة يحمل مؤهلات أعلى من تقييم متطلبات الوظيفة سينتج عنه عدم رضا، وإذا لم تتمكن إدارات الموارد البشرية من إعادة تسكين أو إعادة توزيع مواردها البشرية على الوظائف التي تتناسب مع الخبرات والمستويات التعليمية، ستفقد في النهاية خبراتٍ ومعرفةً لصالح دوائر قد تعمل على استقطابها، إن لم تتمكن إدارات الموارد البشرية من امتصاص غضب الموظفين، خاصة مع رفض العديد من الموظفين سياسة الأمر الواقع، لاسيما أن الإعلان عن زيادة الرواتب واكبتها زيادة في أسعار السلع والخدمات، وحتى مع الإعلان عن تأجيل الزيادة في الرواتب، استمرت الزيادات في الأسعار حتى دخلت دبي قائمة أغلى المدن في العالم. ارتفاع الطموحات أدى إلى خيبة أمل كبيرة رغم زيادة أجور غالبية الموظفين زياداتٍ متفاوتةً، لكن التوقعاتِ كانت أكبر بكثير، خاصة أن إمارات مجاورة وصلت فيها نسبة الزيادة إلى 100%، فمن حق الموظف أن يحلم في تحسين وضعه الوظيفي خاصة مع ارتفاع الأجور في القطاع الخاص والقطاع شبه الحكومي في إمارة دبي، فارتفاع سقف توقعات موظفي حكومة دبي في حدود الممكن والمتاح، صحيح لا يملك أحد مصادرة حق الموظف في البحث عن فرص عمل من شأنها تحسين ظروف معيشته، لكن الأصح من ذلك أن تدعم إدارات الموارد البشرية مواردها البشرية وتحافظ عليهم خاصة في ضوء الاستقطاب الشديد في سوق العمل للخبرات. التطوير مرحلة متكاملة تنسحب على تطوير العقليات وتطوير بيئات العمل، قانون الموارد البشرية الجديد يحمل الكثير وسيثبت التطبيق صعوبة في التعاطي مع تقييم الأداء والترقيات ونظام التحفيز. للمجلس التنفيذي دور رئيسي في المرحلة الراهنة باعتباره قائماً على المشروع بالأساس، فإذا لم يتم التوصل إلى تسوية مرضية للتظلمات، فلتكن أبواب اللجنة مفتوحة ولا تُترَك إداراتُ الموارد البشرية الخصمَ والحكمَ في ذات الوقت، سقف التوقعات كان كبيراً، وسقف الممكن والمتاح كان أصغر، والمواءمة بين الاثنين هي المعضلة.