في يونيو 2005 عقب تعيين د. معصومة المبارك، أول وزيرة في تاريخ الكويت، كتبتُ مقالاً في "الاتحاد" بعنوان: "صناعة التاريخ أو أول وزيرة كويتية"، وها أنذا أكتب بعد عامين وشهرين مقالاً آخر أستكمل به ما كتبته يومها. قلت في ذلك المقال إنه بعد أربعة عقود من صراع المرأة الكويتية لنيل حقوقها السياسية، وصدور القانون التاريخي الذي منحها كامل تلك الحقوق لتشارك في الانتخابات، ها هي زميلتنا في قسم العلوم السياسية د. معصومة المبارك تُعيَّن وزيرة للتخطيط ووزيرة دولة للتنمية الإدارية، في سابقة تجعل منها الوزيرة الأولى في تاريخ الكويت. لقد دخلت معصومة المبارك التاريخ من بابه الواسع لتنهِي الحرمان السياسي للمرأة الكويتية، مما دشن حقبة جديدة في تاريخ البلاد. ومعروف أن دولاً خليجية أخرى سبقت الكويت في توْزير النساء ومنها عُمان وقطر والإمارات والبحرين، وفي بعض تلك الدول تتولى النساء أكثر من حقيبة وزارية. قلتُ يومها إن تعيين أول امرأة وزيرة في الكويت، يعد إنجازاً تاريخياً مهماً, ولاشك سيترك أثراً كبيراً، ولكن علينا ألا نحمل د. معصومة أكثر مما ينبغي أن تحتمل. وفي النهاية فإن معصومة المبارك عُود من حزمة وجزء من كل، وقسوة السياسة الكويتية ترهق العديد من الوزراء الذين إما استجوِبوا وأهينوا، وإما استقالوا لحفظ ماء الوجه. ومعصومة المبارك لن تغير هذه الصيغة، ولا طبيعة السياسة الكويتية التي لا ترحم. وقد قلتُ يوم تعيينها ذلك إنه سيتم وضعها تحت المجهر، وسيتم عد أنفاسها وخطواتها وتصريحاتها وتصيُّد هفواتها وأخطائها أكثر من إنجازاتها ونجاحاتها. والعبء لاشك سيكون كبيراً، حيث سيتم اختزال جميع نساء الكويت وقدراتهن وكفاءتهن في هذا المنصب، وبالتالي فإن نجاحها أو فشلها لم يعد يعنيها بمفردها، وليس شخصياً، بل سينسحب على النساء جميعاً ليشمت الرافضون ويؤكدوا عدم استعداد المرأة لاقتحام مجال العمل السياسي. لكل شيء وقت وزمن، وقصة الصعود والهبوط المدوِّي للوزيرة الكويتية الدكتورة معصومة المبارك تختزل وعورة وصعوبة تضاريس العمل السياسي القاسي والمتعب في الكويت. ولذا فإن رحيل معصومة كان حزيناً ومؤلماً بعكس صعودها وتألقها، إذ بسبب وعورة الحياة السياسية لدينا لم تتمكن من أن تترك بصمة وعلامة فارقة تكون قدوة وإرثاً للمرأة الكويتية عموماً. والجميع بات يعلم اليوم أن نظامنا السياسي في الكويت لا يرحم رجلاً، ولا امرأة، كما رأينا في حالة معصومة المبارك الآن، وربما أيضاً في حالة نورية الصبيح (وزيرة التربية) بعد قليل. لطالما سعت النساء اللواتي تبوأن مراكز وزراية حتى في الدول الغربية إلى بذل جهود مضاعفة، وإلى التفاني أكثر في ممارسة مهام وظائفهن ليثبتن أنهن أهل للمنصب ومؤهلات له. خذ مثلاً التحديات التي واجهت مادلين أولبرايت كأول امرأة تتسلم منصب وزير خارجية في الولايات المتحدة الأميركية. وخذ مثلاً كذلك الدكتورة كوندوليزا رايس التي تبذل جهوداً كبيرة الآن لأن أمامها تحديات كبيرة هي الأخرى كامرأة وسمراء في بلد غالبيته من البيض، والغالبية الساحقة من ساسته رجال. لقد تلقى الكثيرون خبر صعود معصومة المبارك بالفرح، كما تلقوا نبأ سقوطها واستقالتها بألم وحسرة، وخاصة النساء اللواتي رأين فيها تجسيداً للمساواة بعد عقود من التهميش والإقصاء. والحقيقة أن معصومة، الوزيرة، منحت الكويت الإشادة بنظامها السياسي لأنه منح مائتي ألف امرأة المشاركة كناخبات. معصومة المبارك الأم، وأستاذة الجامعة، لم يسمح لها المعترك السياسي الكويتي الخشن والوعر بأن تبدع أو تترك بصمة، وهي التي تقلدت أربعة مناصب وزارية في أربع وزارات خلال الستة والعشرين شهراً الماضية. وهذا بحد ذاته يختزل صعوبة العمل السياسي، ومنصب الوزير، في الكويت الذي بات منصباً طارداً غير جاذب، حيث بات عُمر الوزارة يقاس بالأشهر وليس بالسنوات. حتى في استقالتها من وزارة الصحة، كانت معصومة المبارك مثالاً لوزير يتحمل مسؤوليته السياسية كاملة. فمن المعروف أن الكثير من الدول العربية وغيرها تتعرض لمصائب كبيرة ولا يستقيل وزير واحد، واستقالة أول وزيرة كويتية تخلف مادة كبيرة للبحث والدراسة للباحثين والسياسيين رجالاً ونساءً عن دور وقدرات المرأة في العمل السياسي، وهو أمر لم يُحسم بعد بشكل نهائي في الكويت، والمنطقة عموماً.