الصحافة الفرنسية
من المسؤول عن هجمات "سنجار"... وهل صحا الدب الروسي من "سباته" الاستراتيجي؟!
تعقيدات العلاقة بين الخصوصية الدينية ومبادئ العلمانية في أوروبا، والأجراس التي تقرعها هجمات "سنجار" في العراق، ومغزى التصعيد الاستراتيجي الروسي، موضوعات ثلاثة نستعرضها من خلال جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.
العدالة وتعقيدات الخصوصية الدينية: صحيفة لوموند نشرت افتتاحية بعنوان: "العدالة والأديان"، انتقدت فيها طريقة تعامل القضاء الإيطالي مع قضية مقتل فتاة مسلمة يتهم أفراد أسرتها بالتخلص منها بدعوى أنها "مُتغرِّبة" أكثر مما يلزم. فقد رأى القضاة الإيطاليون، على ما يبدو، أن الخصوصية الثقافية والدينية، لابد من وضعها في الحساب. ولاشك -تقول الصحيفة- أن هذا سيكون خبراً مشجعاً لأب الفتاة ذات الأصول الباكستانية "هينا سالم" الذي ذبحها سنة 2006 لأسباب مرتبطة بعلاقاتها مع الإيطاليين، والذي ستبدأ محاكمته هو الآخر مع مطلع الشهر المقبل. وليست إيطاليا حالة فردية في دول الاتحاد الأوروبي ولا في الغرب، ففي هولندا تضع المحاكم "الخصوصية الثقافية" في الاعتبار في حالات جرائم "قتل الشرف"، وفي ألمانيا ما زالت احتجاجات الجالية التركية مستمرة على خلفية قانون أقر في يوليو ويمنع زواج الإكراه. أما في كندا فإن منطقة أنتاريو تعترف بالأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية الإسلامية وبنفاذ أحكامها في الأحوال الشخصية بين المسلمين لنفس السبب، وهو الخصوصية الدينية والثقافية. وبعد تعداد هذه الحالات تعود الصحيفة للتذكير بالسجال الذي اجتاح فرنسا وبلداناً غربية أخرى حول الحجاب الإسلامي، مؤكدة أن العلمانية لا تتجزأ، وبأنه مهما كانت تعقيدات العلاقة بين الدين والدولة فإن نفاذ قانون العلمانية، بغض النظر عن أية خصوصية، ينبغي أن يكون هدفاً من أهداف الاتحاد الأوروبي. وفي سياق ذي صلة نشرت صحيفة لوفيغارو أول من أمس (الجمعة) افتتاحية بعنوان: "اللاتسامح الديني"، قالت فيها إنه بدل شيوع قيم التسامح والتفاهم بين الغرب والعالم العربي الإسلامي فإن ما يسود الآن هو مظاهر التباغض والتنابذ واللاتسامح. وهذه المظاهر تصادف في كل مكان ابتداءً من حالة رجل في مصر قيل إنه تحول عن الإسلام إلى المسيحية وما زال يواجه تهديدات بالقتل من قبل الجماعات المتطرفة، مروراً باستمرار الهجمات ضد المسيحيين في تركيا، وحرق الكنائس في نيجيريا، والنفوذ المتعاظم لـ"حزب الله" الذي يغذي الأزمة اللبنانية، وانتهاءً بما عرفه العراق من هجمات منظمة بدوافع التطرف الديني ضد المسيحيين العراقيين، وأخيراً بمجزرة هذا الأسبوع التي قتل فيها مئات اليزيديين في شمال البلاد. وتذهب لوفيغارو إلى أن شيوع التعصب الطائفي والديني في العديد من مناطق العالم الإسلامي أصبح حقيقة واقعة. بل إن مسؤولي بعض الدول الإسلامية الأكثر انفتاحاً باتوا يعانون الأمرَّين من قوة تأثير المتعصبين على الجمهور العريض، وقد لوحظ ذلك خاصة في التظاهرات التي نظمت احتجاجاً على تصريحات البابا، تقول الصحيفة. وكل ذلك يؤكد جسامة المهمة المطروحة على كواهل الرجال المنفتحين المستنيرين المتسامحين في العالم الإسلامي، وفي الغرب أيضاً، لهزيمة قوى التعصب والتطرف والإقصاء، على الجانبين.
مجزرة اليزيديين... من المسؤول؟ في تغطيتها للهجمات التي راح ضحيتها 400 شخص من طائفة اليزيدية في شمال العراق استعرضت مجلة لونوفل أوبسرفاتور بعض صور تلك المأساة مجرية مقارنة بينها وبين مآسٍ أخرى نجمت عن عمليات تفجيرية خلال هذا العام في بلاد الرافدين، وساعية في الوقت نفسه إلى تعريف القارئ الغربي ببعض التفاصيل عن هذه الطائفة. وعن الموضوع ذاته كتب "جان ميشل هلفيج" افتتاحية في "لاربلبليك دي بيرنيه"، قال فيها إن جنون العنف القائم في العراق ضرب بهذه العملية سقفاً قياسياً آخر، مبرزاً أن علم النفس يخبرنا بأن المجرمين يتعلقون هم أيضاً أحياناً بأعذار واهية وأسباب ربما يسمح تفحصها بفهم دوافعهم. ولذلك فإن ثمة من يربط الآن بين هجمات سنجار وسوء تفاهم متنامٍ بينهم وبين جماعات سُنية في المنطقة، على خلفية ما قيل إنه تصفية جسدية تمت بحق فتاة يزيدية قتلها أبناء طائفتها فقط لأنها قررت الارتباط بمسلم. وفي "الإندبندان" كتب برنار ريفل افتتاحية تساءل فيها: "كيف يستطيع الرئيس الأميركي الاستمرار في سياسته المثيرة للجدل في العراق وهو يرى كل يوم الآثار المدمرة التي صنعها بيديه؟ والعجيب أنه لا يكتفي فقط برفض تحمل مسؤولياته، ولكنه يستمر أيضاً كما لو كان فوق النقد، مسدياً الدروس للبلدان الأخرى... إن بوش الآن وقبل 16 شهراً من خروجه النهائي من البيت الأبيض يزعم أنه على وشك إكمال المهمة. ولكن لا أحد يشك في أنه سيكون في مكان متقدم ضمن لائحة التاريخ السوداء، وهي لائحة ازدحمت بالأسماء، فيما مر من هذا القرن حتى الآن". وفي "لامونتان" كتب ألكسندر مورل افتتاحية عن الموضوع نفسه قال فيها إنه في الوقت الذي أعلن فيه تقرير برلماني بريطاني صدر مؤخراً عن فشل مطبق لاستراتيجية بوش الأخيرة في العراق، وفي وقت ينتظر الجميع في واشنطن صدور تقرير تقييم من الجنرال ديفيد بتيراوس لإطلاع الكونجرس على ما يجري في بلاد الرافدين، وتزامناً مع تصاعد ضغوط الأغلبية "الديمقراطية" في الكونجرس لتسريع الانسحاب الأميركي من العراق، تأتي هجمات سنجار لتعطي فكرة عما ينتظر العراق والعراقيين من أهوال في حال خروج القوات الأميركية الآن.
عودة أجواء الحرب الباردة: إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة عن عودة المقاتلات الاستراتيجية الروسية لتسيير دوريات أثارت عاصفة استعادة لأجواء الحرب الباردة في الصحافة الفرنسية أمس السبت. صحيفة لوموند ركزت في تغطيتها للحدث على مكان وزمان إعلانه على هامش لقاء قادة دول منظمة شنغهاي بحضور الرئيس الصيني "هو جينتاو" وزعماء 4 دول من آسيا الوسطى، وتزامناً مع مناورات عسكرية مثيرة بين هذه الدول. وقد اعتبرت الصحيفة أن الرسالة واضحة، والعنوان الموجهة إليه أوضح وهو واشنطن وحلف "الناتو"، ومؤداها أن الدب الروسي قد استعاد أجواء الحرب الباردة، وأن شهيته للمواجهة مع أعدائه السابقين تزداد يوماً بعد يوم. وربطت لوموند أيضاً بين توقيت إعلان بوتين عن هذا القرار المفاجئ وبين رفض أميركا لعرضه المتعلق بنصب الدرع الصاروخي الأميركي في أذربيجان، وقد جاء هذا الرفض الأميركي على لسان الجنرال هنري أوبريغ الذي يقود وكالة الدفاع الأميركية ضد خطر الصواريخ. وفي افتتاحية كتبها جان كويزنل بـ"لوتلغرام" جاء أن بوتين لا يحلم، بل يتحرك بوعي وبخطوات محسوبة ومعروفة سلفاً. فبعد أيام من رفعه لعلمه على القطب الشمالي ومحاولته الاستحواذ على الثروات الموجودة هناك، ها هو يعيد أجواء الحرب الباردة مجدداً مع واشنطن مؤكداً بخطواته السياسية والعسكرية المتلاحقة أن الدب الروسي بدأ يصحو شيئاً فشيئاً من سباته الاستراتيجي.
إعداد: حسن ولد المختار