المرشحون "الجمهوريون"... رؤى باهتة ووعود غائمة
في حملته الانتخابية الرئاسية قبل أن يتولى منصب الرئيس للمرة الأولى، كان من الأمور المألوفة أن نسمع من يقول إن جورج بوش شخص حسن المعْشر، ويتصف بالأمانة. كان هذا ما يبدو في الظاهر بالنسبة لعموم الناس، أما بالنسبة لمن كانوا يحللون ما كان الرجل يقوله حول السياسة فقد توصلوا إلى خلاصة مختلفة، وهي أن بوش رجل ذو شخصية تفتقر إلى الإحساس بالمسؤولية، وبعيدة تماماً عن الأمانة. والسبب أن بعض ما كان يقوله لم يكن يتفق مع ما يفعله، علاوة على أن خطَبه وأحاديثه، كانت تتضمن أحياناً تناقضات ومغالطات واضحة، لا تخفى على عين المدقق.
إن ما يقوله المرشح الرئاسي عن السياسة هو الذي يكشف عن حقيقة شخصيته، أكثر مما تكشف عنها تلك النوادر والحكايات، وأحياناً الخرافات، التي يرغب المحرِّرون الصحفيون السياسيون في التركيز عليها. ويبدو هذا جلياً بالنسبة لمسألة مثل حرب العراق التي شنها بوش بناء على افتراضات مغلوطة. فبعد مرور خمس سنوات على تلك الحرب تقريباً غدا من الواضح أن كل ما قاله بوش بشأنها -قبل الإقدام عليها- كان كاذباً وغير حقيقي.
قد يقودنا هذا إلى طرح السؤال التالي: ما الذي يقوله المرشحون الرئاسيون الحاليون عن السياسة.. وكيف يكشف ما يقولونه عن حقيقة شخصياتهم؟
يمكن القول إننا لم نسمع شيئاً جوهرياً عن السياسة حتى الآن من أي من المرشحين الحاليين عن الحزب "الجمهوري"، وإن كل ما يقولونه خلال حملاتهم الانتخابية وملصقاتهم الدعائية، لا يعدو كونه نوعاً من التظاهر والادعاء غير المؤكد، وخصوصاً فيما يتعلق بالصلابة التي سيكونون عليها عند مواجهة الإرهابيين، في حين أنهم لا يكادون يذكرون لنا شيئاً تقريباً عما يخططون لفعله.
وفي ظني أن السبب الذي يدعو معظم المرشحين "الجمهوريين" لتجنب الحديث عن خططهم السياسية، وتجنب الدخول في مناظرات علنية، هو توقعهم أن يتعرضوا في تلك المناظرات إلى أسئلة مُحرجة عن السياسة، قد لا يستطيعون الإجابة عليها.
قد يعترض البعض على ما أقول ويتساءلون: ألم يعلن "رودي جولياني" عن خطة صحية في الآونة الأخيرة؟ وردي على ذلك جاهز، وهو أن الرجل لم يفعل ذلك بالضبط، بل إن كل ما فعله هو أنه قدم اقتراحاً يتيماً بشأن تخفيض الضرائب، قال في تضاعيفه إنه سيساهم بشكل جيد في حل مشكلة الرعاية الصحية. هذا مع أن معظم الخبراء يختلفون مع ما قاله. ولم يقدم طبعاً أي توضيحات بشأن الكيفية التي سيتم بها تنفيذ خطته تلك، ولا عن تكلفتها ولا الطريقة التي سيوفر بها تلك التكلفة.
وكما أشار "إيزرا كلين" من "أميركان بروسبكت" فإن جولياني في الخطاب الذي أعلن فيه عن "خطته" -طالما أنه لم تصدر أي وثائق عن تلك السياسة فإن ذلك الخطاب هو كل ما بإمكاننا أن نعتمد عليه- لم ينطق أبداً بأي كلمة حول "غير المُؤمَّن عليهم صحياً"، في حين تحدث مراراً وتكراراً عما أطلق عليه "طب المندمجين اجتماعياً"، أي الطب الذي يتم تقديمه لأفراد القطاعات المؤمَّن عليها صحياً من المجتمع دون غيرهم. وإذن يمكن القول إن مرشحي الحزب "الجمهوري" برمتهم أخفقوا سلفاً في اختبار "الجوهر"، أو "المحتوى".
وفي الجانب "الديمقراطي" الذي يتصدره "جون إدواردز" يبدو الأمر مختلفاً تماماً. ففي شهر فبراير الماضي نجح "إدواردز" في تحويل شكل الجدال الدائر حول الرعاية الصحية، وذلك عندما قدم اقتراحاً يتضمن خطة مُقنِعة من الناحية السياسية والمالية تتضمن تأميناً صحياً شاملاً لكافة شرائح الشعب الأميركي.
وبصرف النظر عما قد يؤول إليه مصير "إدواردز" سياسياً إلا أن الرجل من دون أدنى شك سيكون مستحقاً للكثير من الثناء إذا ما قُدِّر لمقترحه بالتأمين الصحي الشامل أن يصبح حقيقة واقعة.
ولم يقتصر "إدواردز" على المجال الصحي، بل قدم خطة مفصلة ومعقولة تتعلق بالإصلاح الضريبي، كما قدم عدداً من المبادرات الجادة بشأن معالجة الفقر في المجتمع الأميركي، بصفة عامة.
وليس "إدواردز" هو الوحيد الذي يقدم المبادرات والخطط في الجانب "الديمقراطي"، بل إن باراك أوباما يحذو حذوه، ويقدم خططاً شبيهة، وإن كانت أقل شمولاً، وخصوصاً فيما يتعلق بمحاربة الفقر.
ويختلف الوضع بالنسبة لهيلاري كلينتون التي فضلت اتباع نهج مراوغ. فهي تحاول أن توحي ضمناً بأن مواقفها بشأن الموضوعات الجوهرية لا تختلف كثيراً عن زملائها من "الديمقراطيين"، ولكنها لا تتقدم بأي مبادرات محددة. فهي مثلاً لم تتقدم بأية خطة محددة عن العناية الصحية، كما أنها لم تلزم نفسها علناً بأي مبادرة تتعلق بتوفير التمويل اللازم لإجراء إصلاح ضريبي بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن وقت العناية الطبية الشاملة قد حان. لذا فإن هذا الافتقار للتحديد يعتبر شيئاً مزعجاً. وليس هذا فحسب بل إن ما قالته هيلاري عن الرعاية الصحية في مناقشات الحزب "الديمقراطي" التي جرت في فبراير الماضي، يدل على اقتناعها بأن الموضوع ليس مُلحاً بالنسبة لها حيث قالت: "حسناً، إنني أريد أن تكون لديَّ تغطية صحية شاملة في نهاية فترتي الرئاسية الثانية" (إذا ما قدر لها أن تفوز بالطبع).
وبخلاف تلك المواقف التي تبنتها السيناتورة "هيلاري كلينتون" يمكن القول إن المرشحين "الديمقراطيين" الرئيسيين يتحدثون بشكل محدد ومفصل ويدعو للإعجاب، وهو ما يجعل من السهل علينا أن نتخيل أي واحد منهم وقد أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
ولكن يجب أن أضيف أنني عندما أتذكر ما حدث عام 2000، فإن ذلك يدفعني للقول إن هيلاري كلينتون على وجه التحديد، وهي المرشحة "الديمقراطية" للمفارقة، تُظهر نوعاً من النفور الذي يسم الحزب "الجمهوري" تحديداً، عندما يتعلق الأمر بالجوهر أو المحتوى، في سجال الحملة الانتخابية.
كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"