في الخطاب الذي ألقاه في براغ في الخامس من يونيو الماضي، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش عن مهمة جديدة ملموسة وواضحة المعالم بالنسبة لوزارة خارجيته إذ قال: "لقد طلبت من الوزيرة رايس إرسال مذكرة إلى كل السفراء الأميركيين في البلدان غير الحرة: ابحثوا عن المدافعين عن الديمقراطية والتقوا معهم؛ وابحثوا عن المطالبين بحقوق الإنسان". بعد شهرين تقريباً على هذا الخطاب، لم تكن البرقية قد بُعثت بعد. لكن وزارة الخارجية أبلغتني بأن هذه البرقية أُرسلت في وقت متأخر من يوم الجمعة. بالمقابل، أمضت"كوندوليزا رايس" الأسبوع الماضي في الالتقاء بالمسؤولين العرب في الشرق الأوسط سعياً وراء أجندة مختلفة تماماً تقوم على "الأمن والاستقرار" لبلدانهم غير الديمقراطية ودعم عملية سلام جديدة للشرق الأوسط. ولما كانت 18 شهراً أو أقل هي الفترة التي تفصل "رايس" والرئيس بوش عن نهاية فترة حكم الإدارة الحالية، تركز وزيرة الخارجية حالياً على تحقيق إنجازات وتركة للإدارة الحالية. غير أن أهداف "رايس" مختلفة تماماً عن الأهداف التي بدأ بها بوش ولايته الرئاسية الثانية – مثل "أجندة الحرية" التي أشار إليها في براغ- حيث ذهب هدف نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط وحلَّت محله جهودٌ حثيثة، وإن جاءت متأخرة، لرعاية اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبموازاة ذلك، تم العدول عن استراتيجية "تغيير النظام" التي ميزت سياسة إدارة بوش تجاه كوريا الشمالية من قبل، وحلت محلها جهود شاملة ترمي إلى التفاوض بشأن تقارب مع الديكتاتور كيم جونج إيل. وهكذا، فإن "رايس" قد تشرف، في حال أتت الاستراتيجيات الجديدة الجريئة بما هو مؤمل منها في غضون أشهر، على "إعلان مبادئ" بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس حول تأسيس دولة فلسطينية، وكشفٍ تام من قبل كوريا الشمالية عن القنابل النووية والمواد المرتبطة بها التي صنعتها وأخفتها على مدى العقدين الماضيين. إذ تبدو هذه الاختراقات بالنسبة لـ"رايس" والمساعدين المنخرطين في هذه الجهود قريبة ووشيكة. ففي الأسبوع الماضي مثلاً، وافق عباس على العمل على "اتفاق مبادئ"، وهو أمر اقترحه أولمرت في البداية، في حين ألمح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى إمكانية المشاركة في مؤتمر الخريف المقبل برعاية أميركية. ومن جهة ثانية، يعتقد "كريستوفر هيل"، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، الذي يتزعم المفاوضات مع كوريا الشمالية، أن إعلان بيونج يانج غير المسبوق عن برنامجها النووي– ومن ذلك منشآت وأجهزة تخصيب اليورانيوم التي ما فتئت تنكر امتلاكها على مدى السنوات الخمس المنصرمة- قد يتم في غضون أسابيع. إذا حدث كل هذا، فالأكيد أن "رايس" ستبدو بارعة وذكية، وستحصل تركة الإدارة الحالية المثقلة بحربي العراق وأفغانستان على دفعة قوية. وعليه، فليس غريباً أن الوزيرة لم تزعج نفسها بأمر المذكرة التي تحدث عنها بوش. ولكن، ليس من الغريب أيضاً أن السعي وراء إنجاز ما للإدارة الحالية جعل بعض الموظفين القدامى في السياسة الخارجية الأميركية – ومنهم واحد أو اثنان داخل إدارة بوش- يشعرون بالقلق. ذلك أن الحملة التي تخوضها "رايس" اليوم تشبه سجلاً سبق لفريق بوش أن استخف به من قبل– الجري وراء تحقيق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ونزع أسلحة كوريا الشمالية من قبل إدارة كلينتون في الأشهر الأخيرة من الولاية الرئاسية. ففي صيف 2000، فاجأ بيل كلينتون الكثيرين داخل الشرق الأوسط وخارجه حين دعا فجأة إلى عقد قمة في كامب ديفيد في محاولة للقفز إلى حل الدولتين. وبعيد ذلك بوقت قصير نسبياً، ذهبت وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت إلى بيونج يانج من أجل اجتماع غير مسبوق مع كيم – مدفوعة بإمكانية أن تتخلى كوريا الشمالية عن صواريخها بعيدة المدى. أمس ومثلما هو الحال اليوم، صدرت عن خبراء إقليميين تحذيرات من أن الفلسطينيين لم يكونوا مستعدين لتسوية نهائية، وأن تدهور الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة سيجعل من المحاولة أمراً محفوفا بالمخاطر. كما رأى عدد لا بأس به من "الجمهوريين" أن أولبرايت انطلت عليها حيلة "كيم"، الذي استفاد من الزيارة لغرض البروباجاندا من دون أن يتخلى عن صواريخه. لقد أثبت الزمن أن معسكر الرفض كان على صواب؛ ذلك أن ياسر عرفات لم يكن مستعداً لعقد صفقة، حتى في ظل العرض السخي الذي قدمته إسرائيل وقتها (والذي يرفضه أولمرت اليوم). أما كيم، فقد كان يخادع الجميع؛ حيث لم يعرض فريقه التفاوضي أبداً على إدارة كلينتون مقترحاً جاداً بشأن الصواريخ. وعندما انتهى الوقت، ورثت إدارة بوش حرباً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وطريقاً مسدوداً مع كوريا الشمالية. فهل تجري إدارة هي في حاجة إلى التكفير عن أخطائها، وراء سراب دبلوماسي مرة أخرى؟ الواقع أن "هيل" يبدو مقتنعاً بأن الكوريين الشماليين جادون هذه المرة، وإنْ كان لا يخفي قلقه من إمكانية أن يطالب "كيم" بأكثر مما ستكون الولايات المتحدة مستعدة لتقديمه مقابل ترسانته العسكرية. أما عباس ورئيس حكومته، وخلافاً لعرفات، فقد أعلنا أمام الملأ أنهما مستعدان لعقد اتفاق الدولتين –غير أن المشكلة تكمن في أنهما لا يتحدثان باسم "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة ولها القدرة على إشعال حرب أخرى هناك أو في الضفة الغربية. ربما تحصل "رايس" على تركة للإدارة الحالية –دعونا نأمل ذلك؛ غير أن التاريخ يذكرنا بأن الدبلوماسية في عهد رئيس ضعيف سياسياً قد تكون خطيرة وشجاعة في آن واحد. كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"