كانت صدفة سريالية أن الثاني من أغسطس عام 1990م صادف يوم الخميس، وكذا الذكرى السابعة عشرة لذلك اليوم الأسود. فقد صادف قبل أمس الخميس الثاني من أغسطس، ويا لها من صدفة. تعود الذكرى لتقول لنا بأن العقلية هي العقلية، وبأن التخلف الذي أدى إلى الغزو، لا يزال يرفل بثياب الصحة والنشاط بيننا. استوحيتُ عنوان المقالة من عنوان قرأته قبل عشر سنوات تقريباً. ألف كتاب "حرب تلد أخرى" الصحفي العراقي سعد البزاز. عدت بالذاكرة إلى ما قبل الغزو حين كانت السفارة العراقية وقتها دولة داخل الدولة، بل لعل الدولة نفسها كانت داخل السفارة. كانت صور صدام تعلق جهاراً نهاراً في بيوت الكويتيين وعلى سياراتهم. الدخول في نقاش ضد صدام حسين يعرضك للتعنيف -أو أكثر- من الكويتيين قبل غيرهم. عبادة للشخص المنقذ البطل القائد الضرورة. كان صدام يرتكب الشنائع بالشعب العراقي والكل عنه راضٍ بمن في ذلك الولايات المتحدة الأميركية التي خلَّصت العراقيين منه. صفَّقت الجماهير -في معظمها- لصدام حسين حين غزا الكويت. بُحَّت الحناجر هتافاً: "بالكيماوي يا صدام، من الخفجي للدمام". ترى! لو أن صدام جر جيوشه في ذلك اليوم غرباً نحو الأردن أو سوريا، فهل كان الكويتيون سيهتفون: "بالكيماوي يا صدام، من المفرق لعمان"؟! صدام يدعي أن الكويت تابعة للعراق تاريخياً. قال مُحلل يحلِّل الحرام: لقد نصَبُوا شِراكاً لصدام لتدمير العراق العظيم: لمن تنصب الشراك؟ هل من شرك بحجم دولة؟ يجتمع العالم بأجندات مختلفة. كان شعارهم الحق، وبواطن بعضهم غير ذلك. نصف العرب وقفوا مع صدام: "نحن ضد صدام، لكننا ضد أميركا أكثر". الضِّدية نسبية، والعراق عاد إلى ما قبل العصور الوسطى. صدام يخرج بين الأنقاض ويطلق النار احتفالاً بانتصاره في "أم المعارك". عام 2006 يطلق حسن نصر الله خطبة عصماء احتفالاً بانتصاره في "الوعد الصادق" وسط أنقاض بيروت. الفوضى المدمرة التي ارتكبها صدام حسين، تركت آثارها غائرة في الأنفس قبل الأجساد، وندوبها على الأرض بائنة للعيان في كل مكان. سلَّم صدام حسين المنطقة للتدويل والقوى العظمى، ولا يزال أغلبنا يؤمن بأن صدام حسين عدو تلك الدول وحريبها. لا بل لا يزال أغلبنا يؤمن بأن صدام حسين شهيد بطل قتلته أميركا. لاحقت لعنة ذلك اليوم المشؤوم صدام حسين حتى اصطادته في حفرة. أعدمه الطائفيون انتقاماً، ولم تقتص منه العدالة إنصافاً. شتان ما بين العدل والانتقام. ضمِن الطائفيون بقاء صدام مدة أطول بطريقة وتوقيت قتله. الطائفيون السُّنة ينسحبون من حكومة الطائفيين الشيعة ببغداد. العام 2007م، يتردد في أوساط متخذ القرار في طهران –كتابةً-أن البحرين إيرانية. الكاتب العراقي -رشيد الخيون- يكتب الأسبوع الماضي في "الشرق الأوسط" محذراً من ضم البصرة لإيران ضمن صفقة مع أميركا. لإيران مطالبات "تاريخية" بالمدينة. يُذكِّر الكاتب بضم المُحمَّرة وعربستان بدايات القرن الماضي. وزير الدفاع الأميركي يزور الكويت في ذكرى الغزو. وسط الركام، ينهض مارد كروي -المنتخب العراقي يفوز بكأس أمم آسيا: ترى أهو الإفلاس؟ لم يبقَ سوى "لعب الطوبه" مثلما يقول العراقيون بلهجتهم التي تتلاشى ملامحها شيئاً فشيئاً بين لحن فارسي، وشتات بالملايين. بل لعله التشبث بالأمل مهما بهُت، والتمسك بالتفاؤل، مهما ضؤُل. الاحتفالات بالفوز الكروي جرى في دبي وعمان. بغداد ممنوعة من الفرح حتى إشعار آخر. قبل أيام، يقف نائب كويتي في ديوانية بالكويت يخطب في الجماهير، خلفه صورة للسيد حسن نصرالله. "ما طبنا ولا غدا الشر". صدام يعود هذه المرة بعمامة. إنها العقلية التي تلد عقلية أخرى.