نحو سياسة أميركية جديدة للتعامل مع باكستان
تيريزا شافير
-------------------------
مازالت الإدارة الأميركية تتخبط في سياستها مع باكستان ليتضح ذلك بشكل أكثر في الاضطرابات الأخيرة التي تعصف بالبلاد. وقد جاءت التقديرات الأخيرة للاستخبارات الأميركية بأن "القاعدة" تستخدم المناطق الحدودية لباكستان كملاذ آمن لشن هجماتها، وربما التخطيط لضرب أميركا لتعيد مرة أخرى السياسة الأميركية تجاه باكستان إلى بؤرة النقاش. ومع ذلك تفضل الولايات المتحدة معالجة مشكلة "القاعدة" في باكستان بالتعامل مع السلطات المعنية بدل التدخل العسكري المباشر ضدها، لا سيما وأن ذلك سيأتي بنتائج عكسية ضد واشنطن، بل وسيحرج الجيش الباكستاني. لكن بالرغم من الاضطرابات الأخيرة في باكستان، يبدو أن الإدارة الأميركية والشخصيات البارزة فيها مازالت تراهن على الرئيس "برويز مشرف". هذا الرهان الذي ينجح في تحقيق الأغراض المرجوة منه على الجبهة الأفغانية.
وفي الوقت الذي تواجه فيه الإدارة الأميركية تخبطاً في رسم سياسات واضحة إزاء إسلام أباد يغرق الرئيس "مشرف" في مجموعة من المشاكل الداخلية المعقدة كان على أرسها موجة الاحتجاجات السياسية التي تسبب فيها قراره بوقف رئيس القضاة في المحكمة العليا "افتخار محمد تشودري" عن العمل، حيث اعتقد الرئيس "مشرف" بأن هذا لرجل يشكل عقبة أمام احتفاظه بمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة وأمام منصبه كرئيس للبلاد. لكن مع رفض المحكمة العليا قرار الرئيس وإصدارها قراراً بإرجاعه إلى منصبه، في نموذج غير مألوف لحرية القضاء في باكستان، انتهى هذا الفصل من الصراع بإضعاف "مشرف" الذي اضطر للرضوخ إلى قرار المحكمة العليا. بيد أن نتائج قرار المحكمة لا تنحصر في إرجاع "تشودري" إلى منصبه، بل تمتد أيضاً إلى مستقبل "مشرف" السياسي. فقد راهن الرئيس الباكستاني على إبعاد رئيس المحكمة العليا لضمان الاحتفاظ بمنصبي القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس البلاد في الوقت نفسه، فضلاً عن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة المرتبطة بالمجلس الوطني ومجالس المحافظات.
وأخيراً كانت للمواجهات التي دارت بين قوات الأمن ومتمردين اعتصموا في "المسجد الأحمر" بإسلام أباد وانتهت بسقوط العديد من الضحايا في صفوف الطلبة المعتصمين تداعيات سلبية بأن أثارت تساؤلات حول قوة "مشرف" وقدرته على التصدي للأخطار الداخلية المحدقة بالاستقرار والأمن. وبرغم أن إدارة الرئيس بوش اعتمدت في سياستها مع باكستان طيلة السنوات الماضية على مقاربة تركز على شخص "برويز مشرف" وتعتمد عليه، إلا أن هذه المقاربة الشخصية بدأت تتغير في الأسابيع الأخيرة. فأثناء شهادة "نيكولاس بيرنز"، وكيل وزارة الخارجية الأميركية أمام "لجنة العلاقات الخارجية" في الكونجرس بتاريخ 25 يوليو الماضي لم تتم الإشارة إلى الرئيس "برويز مشرف" إلا في الدقائق الأخيرة من شهادته. وعندما صدر قرار المحكمة العليا الباكستانية لم يكن أمام إدارة بوش سوى الترحيب بالقرار ودعم المؤسسات المعبرة عن إرادة الشعب، مُقرنة ذلك الترحيب بدعوة صريحة إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تزيد من ترسيخ المؤسسات التمثيلية للدولة وتعززها. ومع ذلك، فإن التغيير الطفيف في السياسة الأميركية، كما ظهر من عرض "نيكولاس بيرنز" أمام الكونجرس، لا يقطع مع سياسة الاعتماد والمراهنة على الرئيس "برويز مشرف"، بل يبقيها قائمة بوصفه "الشريك الذي نحتاج إليه" حسب قول "بيرنز".
هذا وتتعدد اقتراحات المراكز البحثية في الولايات المتحدة الموجهة إلى الإدارة الأميركية حول السياسة الأمثل التي يتعين اتباعها إزاء باكستان. فمنهم من يركز على حصر المساعدات الأميركية في جوانب بعينها مثل المعونات العسكرية وتوجيهها بشكل صحيح، ومنهم من يقترح وضع شروط سياسية قبل إرسال الإمدادات العسكرية، والعمل سوية على تطوير استراتيجية مشتركة للتعامل مع المشاكل المتفاقمة في أفغانستان، فضلاً عن تأمين استمرار الدعم الأميركي إلى المناطق القبلية والحرص على تنميتها. وبرغم أن الجميع في الولايات المتحدة متفق على ضرورة دعم الديمقراطية في باكستان والحث على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، فإن الاختلاف مايزال قائماً حول مدى أهمية الموضوع وإلحاحه بالنسبة للمصالح الأميركية.
ويبقى الجزء الأكثر تعقيداً في السياسة الأميركية تجاه باكستان هو كيفية التوفيق بين الدور الذي لعبه الجيش في الحياة السياسية طيلة الفترة السابقة، وتاريخه في التعامل مع المنظمات المتطرفة. ففي السابق كان الجيش يشن حملاته ضد التنظيمات المتشددة لإخضاعها لسلطته، وليس للقضاء عليها تماماً. هذا التوازن، يعتقد بعضهم، أنه أفضل الموجود حالياً، لكني أعتقد بأنه على المدى البعيد غير قابل للاستدامة. وفي هذا السياق أعتقد بأنه على الولايات المتحدة، وفي ظل قرار المحكمة العليا الأخير، أن تضغط أكثر على "مشرف" من أجل تنظيم انتخابات حرة، والاختيار بين رئاسة الدولة، أو الاحتفاظ بمنصب قائد القوات المسلحة. فالقيادة السياسية القائمة على شرعية قوية، ستكون حاسمة، إذا ما لعبت أوراقها السياسية بحرفية، كي تتمكن من القضاء على المتطرفين الذين لا يتورعون عن تحدي السلطة الأساسية للدولة.
لكن ستكون هناك مشكلة في حال قرر رئيس باكستان المقبل الانتقال من مجرد السيطرة على التنظيمات المتطرفة إلى القضاء المبرم عليها بسبب حاجته إلى الجيش للقيام بذلك. وفي هذا الإطار يتعين على الرئيس الجديد أن يقود الجيش ويقنعه بأن الحملة العسكرية ضد المتطرفين موجهة إلى تحديهم لسلطة الدولة، وليس لطبيعتهم الدينية. هذا التعاون بين القيادتين السياسية والعسكرية، في حال استمراره، سيقود إلى تغيير السياسة الباكستانية السابقة التي تنظر إلى الجماعات المتشددة كوسيلة للحصول على الدعم الخارجي.
ـــــــــــــــــــــــ
نائبة سابقة لمساعد وزير الخارجية الأميركية، ومديرة برنامج جنوب آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
ــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"