واشنطن وجوانب التقصير في حظر الانتشار النووي
في الوقت الذي تنفق فيه الولايات المتحدة أمولاً طائلة على احتياجات الحرب في العراق والمقدرة بحوالي ثلاثة مليارات دولار في الأسبوع الواحد، وهي الحرب التي قامت أساساً بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، ترفض واشنطن سداد جزء مهم من التزاماتها إلى المنظمة المعنية بمراقبة الدول الساعية إلى تطوير أسلحة نووية كإيران وكوريا الشمالية. ولا يرجع الرفض الأميركي للنهوض بمسؤولياتها تجاه المنظمة إلى تقصير هذه الأخيرة، أو تقاعسها في تنفيذ عمليات المراقبة والرصد، بل إلى تعنت أميركي غير مبرر. فقد أنجزت المنظمة، لضمان تطبيق معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، 75% من نظام المراقبة والمكون من جهاز متطور للإنذار يعمل على رصد التفجيرات النووية في مختلف بقاع العالم. وهي تقوم بعملها بفعالية تعجز الولايات المتحدة نفسها عن استنساخها. ومع أن أميركا تعتمد في الحصول على معلوماتها حول الأنشطة النووية من المحطات التابعة للمنظمة، لا سيما التفجيرات الدالة على إجراء تجارب، بسبب وجود محطات للمراقبة موزعة على 92 دولة تبعث المعلومات، فإن الولايات المتحدة- وحسبما أعلنت المنظمة مؤخراً- مازالت متأخرة في دفع 28 مليون دولار من التزاماتها المالية تجاه المنظمة، وهو مبلغ لا يساوي شيئا بالنسبة لأقوى دولة على وجه الأرض.
ويمكن لمس النقص الحاد في تمويل المنظمة الدولية المكلفة بمراقبة التجارب النووية من خلال الأعمال اليومية للجنة التحضيرية لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. واللافت أن الولايات المتحدة التي مارست في وقت سابق نفوذها أثناء المفاوضات التي استحدثت المعاهدة الدولية وساهمت في تحديد شروط ومعايير المراقبة وتطبيق بنود المعاهدة، بما في ذلك قبولها تسديد 22% من الموازنة العامة للمعاهدة، يأتي الكونجرس اليوم ليفتح نقاشاً جديداً حول حجم الإنفاق والجدوى منه. وتجيء هذه التطورات الأخيرة في وقت تتعالى فيه أصوات شخصيات بارزة مثل وزيري الخارجية السابقين "جورج شولتز" و"هنري كيسنجر"، فضلاً عن وزير الدفاع الأسبق "ويليام بيري" والرئيس السابق للجنة الخدمات المسلحة بالكونجرس الأميركي لتدعو الولايات المتحدة، في مقال مشترك موقع باسمهم في صحيفة "فاينانشال تايمز"، إلى الاضطلاع بدورها القيادي من خلال "الكف عن الاعتماد على الأسلحة النووية والإسهام في منع انتشار تلك الأسلحة ووقوعها في أيد خطرة قد تهدد الاستقرار العالمي".
وقد حذرت تلك الأسماء من خطورة امتلاك كوريا الشمالية وإيران للأسلحة النووية، ودعوا إلى ضرورة مصادقة الكونجرس الأميركي على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية كخطوة أولى في اتجاه حظر الانتشار. وباستخدام أحدث أنواع تكنولوجيا الرصد تقوم 321 محطة مراقبة موزعة على مناطق العالم المختلفة برصد التفجيرات النووية، مستعينين في ذلك بـ16 مختبرا تعمل بتقنية قياس الإشعاع النووي. وتقوم تلك المحطات بإرسال المعلومات والبيانات عبر الأقمار الاصطناعية التي تتلقاها من مختلف المناطق وتوجهها إلى المركز في فيينا بالنمسا، بحيث تخضع المعلومات للتحليل لترسل إلى الدول الموقعة على معاهدة حظر التجارب النووية. وفي هذا السياق تمكنت محطات المراقبة من رصد التفجير النووي الذي أجرته كوريا الشمالية في شهر أكتوبر الماضي رغم صداه الضعيف، مدللة على قوة التكنولوجيا المستخدمة والفعالية الكبيرة لعملية المراقبة.
وينتظر أن تجري المنظمة الدولية في السنة المقبلة تفتيشاً ميدانياً في كازاخستان لتجريب مدى جاهزية معدات المراقبة في كشف التجارب النووية. لكن الولايات المتحدة قررت منذ سنوات عدم المشاركة في تطوير إجراءات التفتيش الميداني. وتشمل المهام الأخرى التي تنجزها المعاهدة الدولية للحظر الشامل للتجارب النووية، الحصول على معلومات حول تسرب بعض المواد المشعة من المفاعلات النووية، فضلا عن مراقبة الزلازل، والتحذير من البراكين واجتياح المد البحري. وفي إطار جهودها المتواصلة لتطوير قدراتها تخطط اللجنة التحضيرية التابعة للمعاهدة إلى تدشين 90% من النظام العالمي للمراقبة والرصد بحلول عام 2008. لكن برفض الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها المالية ستواجه المعاهدة صعوبات حقيقية في إنجاز خططها ومتابعة مهامها في المراقبة. وإذا كانت أميركا حريصة فعلا على تحسين صورتها في أنظار العالم واستعادة مصداقيتها التي فقدتها في العراق ومناطق أخرى، فإن عليها الإسراع إلى المصادقة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، لا سيما وأن جميع حلفاء واشنطن من الأوروبيين صادقوا عليها في وقت مبكر. وبالرغم من حساسية الموضوع الذي يمس سمعة أميركا في العالم ومدى التزامها بمسؤولياتها الدولية، فإنه من غير المرجع أن يثار الموضوع أثناء حملة الانتخابات الرئاسية. وكما تشير إلى ذلك التجارب الأميركية مع العراق وكوريا الشمالية وإيران لم يعد ممكناً للدول التعامل مع الأجندة الأمنية في عصرنا الحاضرمن دون مشاركة دولية واسعة حتى لو كانت الولايات المتحدة نفسها.
جينيفير ماكباي
باحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن
أولا دهلمان
رئيسة مجموعة الخبراء في المجال النووي بجنيف
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"