تقف الثيوقراطية الإيرانية اليوم على حافة السقوط باعتبار أنها تواجه الأزمة الأكبر في تاريخها منذ قيام الثورة التي أطاحت بالشاه في مثل هذا الأسبوع منذ 25 عاماً.
وقد قام مجلس صيانة الدستور بحظر مشاركة عدد من المرشحين الاصلاحيين في الانتخابات وسحب تأهيلهم؛ وردّ النواب الاصلاحيون على تلك الخطوة بتقديمهم استقالات جماعية وبمقاطعة الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تجري يوم 20 فبراير. وقد أدى ذلك بمجمله إلى إعاقة نشوء حركة إصلاحية جديدة تضم في صفوفها نواباً من جيل البرلمانيين الأكثر شباباً وبعضاً من الطلاب ورجال الدين المنشقين.
وبدلاً من الانخراط في المفاوضات المتأنية التي أجراها الرئيس محمد خاتمي مع اليمين، عمد جيل الاصلاحيين الجدد إلى تبني استراتيجية ثنائية تقتضي فك الاشتباك مع المؤسسات الرسمية القائمة في الجمهورية الاسلامية، والدخول في مواجهات نشطة في الشارع مع عناصر تطبيق النظام لدى الجمهورية.
وفي واحدة من المفارقات الكثيرة في الجمهورية الاسلامية، تواجه سلطة رجال الدين الحاكمين تحديات مباشرة من داخل النظام نفسه. فمن المعلوم أن الاستقالات الجماعية التي قدمها عدد كبير من النواب الاصلاحيين والمسؤولين المحليين، تؤدي من حيث الأساس إلى شل المؤسسات المنتخبة في إيران. ويبقى واقع الحال أن شرعية الجمهورية الاسلامية كانت وما زالت في يد النواب المنتخبين بما يحملونه من تكليف شعبي لهم، هذا على رغم أن المتشددين يتمتعون بقدر كبير من السلطة. وتلك هي الشرعية التي أبطلها الاصلاحيون بفعل استقالاتهم وانسحابهم من المؤسسات الرسمية القائمة في إيران.
وأردّد هنا تعليق أحد الاصلاحيين، وهو محمد ستّاريفار نائب الرئيس الإيراني، الذي قال: "إن الحكومة تفقد شرعيتها إذا أصبحت عاجزة في عملية تأمين الحريات المشروعة للأمة، وبعدئذ سوف تنحل تلقائياً، سواءٌ بادرت بحل نفسها أم لم تبادر".
ومع مغادرة السياسيين الإصلاحيين لأروقة الحكومة، يجري تيار آخر مماثل يكتسب المزيد من القوة ويتجلى بين عناصر الطلاب الإيرانيين الشباب المُتملمِلين. فمن الواضح أن طلاب الجامعات الإيرانية لم يشهدوا الاحتفالات الصاخبة ولا الابتهاج العام لدى اندلاع الثورة التي أطلقت الجمهورية الإسلامية في عام 1979. ولذلك ليست الثورة في نظر الشباب الإيراني، الذي يشكل نسبة ضخمة من مجموع السكان، إلاّ ذكرى بعيدة ذات صدى محدود في النفوس، في حين أن خُطب ومواعظ المتشددين عن الشهادة والتضحية ليست في رأي هؤلاء الشباب سوى تكتيكات وأساليب مخادعة يتبعها المتشددون للحفاظ على سلطتهم.
إن ما يثير ويحرك الجيل الجديد في إيران هو تلك القيود الثقافية والاجتماعية الصارمة المفروضة عليه، إضافة إلى فرصه الضئيلة في الحصول على وظائف. وعلى رغم أن النظام الحاكم يوفر 350 ألف فرصة عمل كل سنة لمليون شاب يطلبون التوظيف (والعدد في ازدياد)، يبقى مستقبل هؤلاء محدوداً إلى حد يسبب الإحباط.
لكن على رغم ما يربط بينهم من غايات وأهداف مشتركة، كانت هناك دوماً خلافات واختلافات تكتيكية تعتري قلب الحركة الإصلاحية؛ وهي خلافات أدّت في نهاية المطاف إلى ما أصاب الحركة بما تعانيه الآن من ضعف وتفكك. وقد حثّ السياسيون ذوي النفوذ الراسخ على اتباع منهج الاعتدال، واتبعوا استراتيجية الإصلاح المتزايد، في حين أن الطلاب الذين فقدوا صبرهم عمدوا إلى الإلحاح والمطالبة المستعجلة بالإصلاح الفوري. وقد أدت الجرأة التي تجلت مؤخراً لدى الكثير من البرلمانيين إلى حلّ الخلاف القائم بين المنهجين، وأدت للمرة الأولى إلى توحيد خطوط الرأي الإصلاحي التي يعتريها التنافر والتضاد والاختلاف.
وقد دأبت المنظمة الطلابية الأكبر في إيران، والمعروفة باسم "مكتب ترسيخ الوحدة"، على توجيه انتقادات إلى البرلمان، وقد عبرت عن تضامنها مع النواب المستقيلين. وأعلنت المنظمة الطلابية موقفها في بيان لها قالت فيه: "سوف نقف إلى جانب النواب (المستقيلين) دفاعاً عن المطلب التاريخي". ولذلك باتت الحركة الطلابية في إيران، والتي قامت في تاريخ إيران بدور ريادي كقوّة من قوات الطليعة، تقدّم من جديد جنوداً ترفد بهم صفوف الحركة الإصلاحية الجريئة.
غير أن هذه الحركة لا تفتقر إلى الدعم والتأييد من جهة رجال الدين، إذ بدأ كبار رجال الدين الحاكمين يفهمون حق الفهم أن حيوية الإسلام تتطلب منهم فصل أنفسهم عن الدولة التي لا تحظى بالشعبية. وقد قام آية الله جلال الدين طاهري، وهو أحد كبار رجال الدين في إيران، بتوبيخ زملائه كما أدان قيامهم بـ "جمع الثروات" التي "ستُظهر أننا أردنا الثورة وسيلةً لخدمة أنفسنا". وبالنظر إلى السلوك الديكتاتوري الذي يتبعه المتشددون، بدأ الكثير من كبار رجال الدين الإيرانيين بتجريد أنفسهم من السلطة السياسية بغية إنقاذ سلطتهم الروحية المقدسة.
وللمرة الأولى على الإطلاق، يواجه المحافظون حركة إصلاحية لا يمكن تجاهلها أو قمعها بسهولة. ومن غير الممكن أن يؤدي ولع المتشددين بالقتال وال