اليوم السبت الموافق الثلاثين من شهر يونيو يكون نظام "الإنقاذ" في السودان قد بلغ عامه الثامن عشر وهو بهذا يكون أطول الأنظمة السودانية غير الديمقراطية عمراً إذ أن هذا الرقم يساوي ثلاثة أضعاف سنوات الحكم العسكري الأول، ويزيد بعامين أو نحو ذلك عن فترة الحكم العسكري الثاني المعروف بعهد (مايو)، وإذا كان النظامان غير الديمقراطيين السابقان قد كانا باسم القوات المسلحة فإن النظام الأخير في السودان جاء بتدبير وتنظيم حزب سياسي صغير نسبياً هو الجبهة القومية الإسلامية التي سميت "الإنقاذ" بعد نجاح انقلابها العسكري ثم صارت فيما بعد تسمى بحكومة المؤتمر الوطني. إن 40 عاماً من عمر السودان المستقل وكله 50 عاماً كانت كلها تحت سلطة غير ديمقراطية الأمر الذي كانت له بصماته على عدم تطور السودان تطوراً يتلاءم مع إمكانياته وقدراته وتنوع الثقافات والحضارات بين أهله. إن حركة "الإنقاذ" وهي تحتفل بعيد انتصارها كان بديهياً أن تحاول تعداد ما أنجزته خلال هذه المدة. وفي هذا فقد صدر عنها خطاب مطول تناول ما اعتبرته الحركة إنجازاً ومن ذلك ازدياد أطوال الطرق المسفلتة داخل المدن وخارجها وبناء عدد من الجسور عبر النيل، وكذلك مشاريع مثل مشروع "مروي" الذي سيرتفع بطاقة إنتاج الكهرباء الحالية أضعافاً مضاعفة. ولم ينس الحزب الحاكم أن يذكّر باتفاقية "نيفاشا" بينه وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان (الجنوب) إنجازاً من إنجازاته. وفي فترة طويلة كهذه لابد أن تكون لأي نظام حكم إنجازات هنا وهناك يمكن الحديث عنها، ولكن إذا عدنا لمراجعة الحساب بصورة شاملة فإن كفة الفشل والإخفاق في سياسات هذا النظام تفوق كثيراً ما يمكن أن يسمى إنجازاً. وهنا يمكن أن نشير في اختصار شديد إلى بعض الحقائق التي لا يمكن إنكارها والتي تقف دليلاً على صحة ما نقول: إن التعليم بكل مراحله والعناية الطبية من وقاية وعلاج هي أهم ركائز التنمية في بلد من بلدان العالم الثالث، وهنا نجد أن "الإنقاذ" فشلت حتى في الإبقاء على ما كان قائماً قبلها من خدمات في المجالين. إن التعليم العام والعالي أصابهما تدهور مريع انعكس في مستوى خريجي الجامعات التي كثر عددها واضمحل مستواها. أما في المجال الصحي فإن الخدمات الصحية تراجعت كثيراً وأوشك يكون تقريباً لا وجود لعلاج بالمجان، ولهذا فقد أصبح العلاج سلعة رائجة وانتشرت المستشفيات الخاصة في المدن ولقد تدهورت العناية بأمر التعليم والصحة إلى مستوى أن اعتمادات التعليم في ميزانية هذا العام 2007، حيث كانت 14 مليار دينار في حين أن اعتمادات الصحة كانت 9 مليارات، في حين أن ما رصد في الميزانية للأمن هو 75 مليار دينار لذات العام. إن هذه الأرقام تعكس بالضبط أين هي اهتمامات النظام وموضع حرصه. وإذا كان ذاك هو الحال بالنسبة للتعليم والصحة فإن الزراعة التي كانت هي عصب الاقتصاد السوداني لقيت من الإهمال والتخريب ما لقيت، فمشروع الجزيرة الضخم أوشك على الانهيار، وكذلك المشاريع الزراعية الكبرى مثل مشروع الرهد والفاو وغيرهما. لقد اعتمدوا على إنتاج البترول وتسويقه ولكن الحقيقة هي أن المستهلك السوداني لم يلق ما كان يتوق له من إنتاج للبترول بلغ نحو 700 برميل في اليوم. إن ما حدث هو أنه مع تصدير البترول وارتفاع عائده ارتفعت أثمان بيعه للمواطن أكثر من مرة على رغم ما يعلن عن ارتفاع أسعار البترول. هذه عينات من الوضع العام في في الجانب الاقتصادي والخدمي وكل هذا يتم تحت وضع غير مكفول الحريات. وبعد كل هذا فإن السودان مقبل على انتخابات عامة لا يريد نظام "الإنقاذ" أن يخسرها، بل إنه يدفع الآن بكل جهد عنده للفوز في الانتخابات العامة مهما كان الثمن، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، أو هذا ما نشهده في مسرح الحقيقة. محجوب عثمان