"الصمت" قاتل في دارفور... وهل يتعلم براون من دروس بلير؟ في قراءة موجزة للصحافة البريطانية الصادرة خلال هذا الأسبوع، نتناول بإيجاز ردود الفعل على تولي "جوردون براون" رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة خلفاً لتوني بلير، والدور الصيني في حل أزمة دارفور، وصولاً إلى تعكير سيرة الهولوكوست لصفو محادثات القمة الأوروبية الأخيرة. هل يتعلم "براون" من دروس بلير؟ هذا هو موضوع المقال الرئيسي الذي نشرته صحيفة "الأوبزرفور" الأحد 24 الجاري، وهو من كتابة المعلق الصحفي "أندرو رونسلي". فمما أخذ على "جوردون براون" تحرقه وتعطشه لأن يصبح رئيساً للوزراء بأي ثمن. فمنذ فوز حزبه في انتخابات عام 2001، ظل هذا الهدف محوراً رئيسياً لاهتمامات "براون" ودوافعه، وواصل رحلة الانتظار الشاقة المعذبة هذه، إلى أن تحققت له أمنيته أخيراً يوم أمس، إثر تنحي خصمه اللدود بلير من المنصب. غير أن تولي رئاسة الوزراء البريطانية، تقف أمامه عقبات وتحديات كبيرة للغاية، خاصة وأن حزب "العمال" نفسه هو الذي يواصل سيطرته على الحكومة، علماً بأنه الحزب المسيطر على حكومة بلير، التي اقتضت سياساتها ومجمل أدائها– خاصة في مجال السياسات الخارجية- هذا التعديل الذي أتى بـ"براون" إلى المنصب، الذي طالما تطلع إليه. وأولى هذه التحديات تغيير المسار الذي اتخذته حكومة بلير في تحالفها شبه التبعي مع واشنطن وإدارة جورج بوش، على وجه التحديد. وضمن تلك التحديات والمصاعب، الطريقة التي سيعامل بها "براون" رفاق دربه في حزب العمل، ومدى الجهود التي سيبذلها في سبيل تغيير ما ساد عن صورته وشخصيته، باعتباره "انقلابياً" على رفقائه في الحزب. وأكبر دليل على تلك الصفة، النزاع المرير الذي نشب بينه وتوني بلير طوال السنوات الأخيرة الماضية من الصراع حول السلطة والنفوذ. فك وثاق التبعية لواشنطن: وفي أصداء أخرى لتنحي بلير وحلول "جوردون براون" محله في رئاسة الوزراء، نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" في عددها ليوم الثلاثاء 26 يونيو الجاري، مقالاً للكاتبة "كلير شورت"، دعت فيه إلى ضرورة وضع حد للحديث الفاقد المعنى عن "خصوصية العلاقة بين لندن وواشنطن". وعلى رغم إثناء الكاتبة على شخصية براون، فإنها وصفته بأنه يتسم بنزعة تحالف أطلسي قوية، لا تميز بينه وسلفه بلير بأي درجة من الدرجات. وأياً تكن خياراته والسياسات التي ستتبعها حكومته إثر تشكيلها، فإن المؤكد أن جبهة السياسات الداخلية ليست هي التحدي الرئيسي الذي ينتظر حكومته، بقدر ما هي جبهة السياسات الخارجية، وتصحيح ما ذهب إليه بلير في تبعيته لإدارة جورج بوش ومشاركته إياها في شن حرب لم تملها الضرورة على العراق، بل وفي تحوير المعلومات الاستخباراتية التي أفضت إليها، خاصة ما يتصل منها بمزاعم أسلحة الدمار الشامل المنسوبة إلى عراق صدام حسين. وعبرت الكاتبة عن عدم استغرابها فيما لو أعلن "براون" قريباً ما يريده الجيش البريطاني في الوقت الحالي، أي الانسحاب الكامل من العراق. كما لا يستبعد أن يعلن "براون" عن فتح تحقيق عن العراق، يكون شبيهاً بذلك الذي أجرته رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر، حول حرب جزر فوكلاند. وبشكل عام، فقد حان لبريطانيا تبني سياسات من شأنها تصحيح العلاقة مع الجانب الأميركي من المحيط الأطلسي، بما يدعم جماعية الدور الدولي، الذي تقوم به الأمم المتحدة، ويحقق الأمن والسلام في عالم اليوم. بكين وأزمة دارفور: في مقال افتتاحي لها، نشرته صحيفة "التايمز" في عددها الصادر يوم أمس، قال الكاتب "برونين مادوكس" إن الصمت إزاء ما يجري في دارفور قاتل لا ريب، وإن حل الأزمة يبقى القسم الأكبر منه بيد بكين التي تقدم خدمة مصالحها في السودان، على التسوية السلمية للأزمة التي يعيشها الإقليم. صحيح أن القول بقدرة الصمت على القتل، يعود إلى تصريح الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، مقترناً بحديثه عن اعتزام بلاده تعبئة الرأي العام العالمي وحضه على وضع حد للمأساة الجارية في الإقليم. أما وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، فقد أيدته القول بإقرارها بفشل محادثات السلام، التي أجريت طوال العامين الماضيين في التوصل إلى تسوية سلمية فعلية للأزمة. وأكدت أن الجلوس على كراسي الفرجة، هو البديل الوحيد الذي تبقى أمام المجتمع الدولي، ما لم يتصد لمسؤوليته ودوره في حل الأزمة. وفي مقابل عدم رغبة أي من الدول الغربية أو روسيا أو الصين، في حل الأزمة عسكرياً، تلاحظ الصعوبة الفعلية في حلها عبر الأمم المتحدة، ومن خلال أدوات تشديد العقوبات على حكومة الخرطوم. وليس أدل على فشل هذه الاستراتيجية، من اعتراض الصين مؤخراً على أي اتجاه كهذا داخل مجلس الأمن الدولي. والسبب أنها تستأثر بنسبة 65 في المئة من مشتريات النفط السوداني. الهولوكوست والمصالح البولندية في صحيفة "ديلي تلغراف" الصادرة أمس الأربعاء، كتب "هاري دو كيتفيل"، مقالاً عن الضرر الذي يلحقه الإخوة "كازانسكي" بمصالح بلادهم، جراء استدعائهما لصور الحرب العالمية الثانية، واستخدامها سلاحاً تكتيكياً للدفاع عن المصالح الوطنية البولندية، خلال القمة الأوروبية التي عقدت مؤخراً. وفي هذا الإحياء المتعمد لذكريات وصور ومآسي الحرب العالمية، خاصة ما يرتبط منها بمحارق اليهود– بمن فيهم اليهود البولنديون- ما يخدش حسن العلاقات التاريخية بين كل من ألمانيا وبولندا. بل ذهبت إحدى الصحف الألمانية إلى وصف الإخوة "كازانسكي" بـ"التوأم الشرير" بسبب استغلالهما لمآسي الحرب العالمية وذكريات محارق اليهود، وسيلة للتعبير عن مصالح بلادهما. والحق أن قول الإخوة "كازانسكي"، رداً على القرار الذي اتخذته القمة الأوروبية الأخيرة بربط القدرة الانتخابية لدول الاتحاد، بمعدل الكثافة السكانية، بالقول إن البولنديين من المفترض أن يكونوا أكبر عدداً وكثافة سكانية مما هم عليه الآن، لولا المحارق وحملات الإبادة الجماعية، التي تعرض لها اليهود البولنديون إبان الحرب العالمية الثانية، قد أثار غضب الكثيرين من الممثلين لدول الاتحاد الأوروبي في تلك القمة. غير أن ألمانيا الدولة الحليفة الأكثر قرباً من بولندا، كانت الأكثر غضباً في ذلك الاجتماع. وفي غضب هذا الحليف بالذات، ما يهدد مصالح التبادل والتعاون بين البلدين. إعداد: عبد الجبار عبدالله