تواصل الدبلوماسية الدولية، وكذلك الدبلوماسية الإفريقية جهودها، لإقناع حكومة السودان للقبول بآخر إجراءات يراد بها تنظيم الوضع ودعمه في دارفور حتى يمكن إنهاء الأزمة التي وصلت الآن إلى عامها الرابع. يجري هذا في اجتماع بدأ في العاصمة الأثيوبية صباح الاثنين الحادي عشر من الشهر وتواصل لليوم الثاني دون أن يتضح أن الجمع قد توصلوا إلى قرار. إن هناك توافقاً بين رؤى المسؤولين في المنظمة العالمية والمنظمة الإقليمية (الاتحاد الأفريقي) حول وضع القوات الهجينة أو المشتركة التي يراد إرسالها إلى دارفور، ولكن حكومة الخرطوم لا تتفق مع رؤية الطرفين العالمي والإقليمي. ويمكن حصر اعتراضات الخرطوم على نقطتين أو ثلاث نقاط، منها أن تكون قيادة تلك القوات للأفارقة وليس للأمم المتحدة، وأن تكون المهمة محددة بزمن لا تتخطاه. حيث إن الخرطوم تقول إنها تخشى أن تستغل القوات الأممية (المهجَّنة) الفرصة فتستغل تفويضها من البندين "السادس" و"السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، وهو أمر يمكن أن يسهل لها الحركة في كل أنحاء السودان وبالتالي يصعّب من السيطرة عليها. إنها حجة ضعيفة، ولكن هذا ما أعلنه المسؤولون السودانيون. إن كل هذا يتم في وقت تضاعف وتمدد اهتمام المجتمع الدولي بأزمة دارفور وبموقف حكومة السودان على أكثر من مستوى، وأهم مظاهر ذلك الاهتمام ما صدر عن قمة "الثماني" التي عقدت مؤخراً في ألمانيا، والذي جاء فيه التعبير عن القلق الشديد لما يجري في دارفور، وعدم ملاحقة منفذي الأعمال الوحشية في حق مدنيين في ذلك الإقليم، والوقوف ضد إحالتهم للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية. إلى جانب ذلك أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش أنه يرغب في أن يتجه العمل من أجل دارفور منحى دولياً، وقال إنه إذا لم تتحرك دول العالم في ذاك الاتجاه فإنه سيقوم بذلك ولو بشكل منفرد، وقال إنه يضع قضية دارفور ضمن قضاياه الكبرى. ومن الجهود الأخرى المبذولة حضور مجلس الأمن إلى الخرطوم وعقد اجتماع خلال الشهر للنظر في تداعيات أزمة إقليم دارفور. إن فشل اجتماع أديس أبابا -الذي يعقد خلال كتابة هذا المقال- أو نجاحه لا يعني إنهاء مشكلة دارفور، ولكنه سيكون خطوة إلى الأمام إذا وافقت الخرطوم على ما اتفقت عليه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ذلك لأن وصول القوات للسودان لن يتم قبل انقضاء ثلاثة أو أربعة أشهر من تاريخ اليوم. وللقضية جوانب أخرى لا تقل أهمية عما هو مطروح حول القوات وقيادتها وما إلى ذلك، وعلى رأس ذلك أن تقبل فصائل المتمردين التي لم توقع على إتفاق "أبوجا"، بالتوحد والتفاوض لتعديل ذلك الاتفاق، بما يمكن أن يمثل مصالح أهل دارفور، وليس لحساب جماعة أو فئة على حساب أخرى. ومن جانب الحكومة عليها أن تنجز ما يطالب به المتمردون وتدعمهم فيه القوى الأجنبية مثل الاتحاد الإفريقي وكذلك الأمم المتحدة، ومن ذلك نزع سلاح المتمردين المعروفين باسم "الجنجويد"، وتعويض المواطنين الذين تأثروا بالاقتتال، وحماية المعسكرات ضد فلول السرقة والنهب، وضمان وصول القوات لمن هم في أمسِّ الحاجة إلى ذلك. وكلما حسب القوم أن العالم يخطو خطوة نحو إعادة السلام في دارفور ظهرت عوائق تحول دون ذلك، ولعل أبرزها تعنت الخرطوم في مواجهة كثير من الأمور التي من شأنها أن تضاعف سوء الوضع، وتبعد بيننا وبين هدف الأمن والاستقرار.