قمة الدول الثماني الصناعية التي عقدت في الساحل البلطيقي وترأستها المستشارة الألمانية لم تأتِ بجديد، ولم تحقق بالنسبة لأفريقيا بعض ما كان ينتظره الأفارقة وبخاصة الرؤساء الأفارقة الذين استضافتهم المستشارة الألمانية... وعلى رغم أن قضية الفقر والأوبئة والحالة المأساوية عامة، التي يواجهها يومياً أكثر من ثلاثمائة مليون من الأفارقة -"الذين هم شركاؤنا وإخواننا في الإنسانية" كما جاء في عبارة بليغة لتوني بلير-، قد احتلت المرتبة الثانية في أجندة القمة (كانت المرتبة الأولى لقضية البيئة العالمية)... وعلى رغم الجهد الذي بذله بعضهم وفي مقدمتهم رئيس الوزراء البريطاني المودِّع لحث الدول الأعضاء على الوفاء بالتزاماتها السابقة وبذل "جهد حقيقي" لمضاعفة ما وعدت به من معونات لمعالجة القضايا الحياتية مثل تفشي الأوبئة كالإيدز والملاريا والدرن , فإن قراءة فاحصة ومتأنية لما جاء في إعلان القمة الختامي بشأن أفريقيا، تؤكد ما ذهب إليه كثير من المتابعين والمهتمين الذين شاركوا وحضروا الاجتماعات من غير الرسميين الدوليين. ولعل ما صرح به المتحدث باسم منظمة "أوكسفام إنترناشيونال" ووصفه للقمة بـ"الفشل" يعبر عن شعور بخيبة الأمل والإحباط الذي أحس به كثيرون غيره من القادة الأفارقة وأصدقاء أفريقيا الناشطين في العمل الطوعي الإنساني الذين تجمعوا على هامش اجتماعات ألمانيا ومارسوا ضغوطاً شديدة على الرؤساء المجتمعين، وكشفوا في مؤتمراتهم الصحفية ما يجري في "الغرف المغلقة"، وذكروا بعض الرؤساء بالاسم واتهموهم (ربما عن حق) بأنهم حاولوا عرقلة جهود الآخرين لمعالجة القضايا الإنسانية "من منطلق فكري ضيق لا يدرك الارتباط التام بين القضايا الحياتية والمصيرية بين جميع الأمم، بحيث يصبح المنطلق الوطني الضيق والمصلحة الوطنية الخاصة بأمة ما، غباءَ وجهلاً وتعنتاً غير مقبول وضار حتى لأصحابه". والحقيقة الأولى هنا هي أن القمة لم تقدم شيئاً إيجابياً جديداً لأفريقيا بل إنها أعادت وكررت صياغة التزاماتها السابقة مع تكرار "الوعد غير المرتبط بالتزام وبرنامج محدد بمضاعفة العون الدولي لأفريقيا ليرتفع من 25 بليون دولار إلى 50 بليون دولار، بحلول عام 2010. والحقيقة الثانية والثابتة والواضحة هي أن الدول الثماني لم تفِ أي دولة منها -بل لم تقارب حتى الوفاء عملياً بالتزامها المالي السابق باستثناء المملكة المتحدة، التي بذل رئيس وزرائها المودع (توني بلير) جهداً شخصياً وأشرف بنفسه في السنوات الثلاث الماضية على تنفيذ الالتزام البريطاني. إن ما تحتاجه دول أفريقيا وغيرها من "دول العالم الثالث" أكثر بكثير من الوعود التي لا تحقق نظرة عالمية واسعة الأفق وعادلة، تحاول أن تتفهم ومن ثمة تعمل على إصلاح، الخلل وعدم التوازن السائد اليوم في علاقات أفريقيا مع "العالم الأول"... إن قروناً من النهب والاستغلال الاستعماري المنظم لثروات وإنسان أفريقيا قد أدت بالقارة إلى أن تصبح "أكثر القارات بؤساً وفقراً ومرضاً"، وأن يصبح معدل الوفيات بين أطفالها بسبب الأوبئة والأمراض المستوطنة الأكثر ارتفاعاً في العالم -كما تقول منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي الأخير... والمطالبة بالشراكة الجديدة بين أفريقيا والعالم الصناعي الثري التي رفع لواءها لأول مرة رئيس الوزراء الكندي الأسبق الحكيم "جان كريتيان" وسماها "مبادرة الشراكة الأفريقية الجديدة" كان أول ما تهدف إليه هو تحقيق هذا التوازن العادل في التعامل التجاري بين المنتجين الأفارقة والصناعيين في العالم المتقدم، بحيث يؤدي رفع الحواجز والقيود العلنية والخفية إلى تحقيق عائد عادل للمنتجات الأفريقية في السوق العالمي. ما تحاجه أفريقيا هو الشراكة العادلة وليس الإحسان... أن تصبح شريكاً ينظر إليه باعتباره عضواً كامل العضوية في المجتمع الدولي يفيد ويستفيد، ولا يكون عالة دائمة على الآخرين... وذلك لن يحقق فقط مصلحة الأفارقة ولكنه سيحقق أيضاً مصالح الآخرين الذين يسعون إلى تحقيق مزيد من "الفوائد" من حرية التجارة واتساع السوق، لأنه ومع استمرار حالة الفقر الحالية، فلن يكون هنالك "مشترون" قادرون في أفريقيا، وبالتالي لن يجد "البائع" سوقاً تستهلك إنتاجه الوفير بحيث يحقق مزيداً من الأرباح والفوائد.