عُرض يوم الجمعة الماضي فيلمان يعبران عن الكيفية التي استجابت بها هوليوود لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي اتخذت شكلين مختلفتين تماماً. الفيلم الأول يمكن ترجمة عنوانه كالتالي: "التحكم فيَّ: البكاء والتشكّي دون حركة". أما الفيلم الثاني، فترجمة عنوانه هي: "القناص".. وهو فيلم مثير، على رغم أنه يذكرنا بأن البارانويا السياسية الأميركية التقليدية ستمتد إلى المستقبل أيضاً. الفيلم الأول"التسلط..."، من تمثيل "آدم ساندلر"، وهو ينظر إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر بمنظور "نيويوركي- مانهاتني" (نسبة إلى مانهاتن) بحت. فكل رجال الإطفاء ورجال الشرطة الذين يقاومون الحرائق، وينقذون الضحايا هم من "مانهاتن"، وكأنه كان ممنوعاً على أي رجل إطفاء أو شرطة من أية منطقة أخرى غير مانهاتن أن يتقدم ليؤدي دوره. والفيلم يبدو وكأنه قصة موجهة للـ Yappies الأميركيين وهم تلك الفئة من الموظفين المتخرجين من الجامعات، الذين يتقاضون مرتبات عالية، ويسكنون عادة في المدن، وخصوصاً ضواحيها الراقية. وتلك الفئة لم تكن في حاجة لحادث مثل الحادي عشر من سبتمبر كي تعاني، لأنها وقبل ذلك الحادث بكثير، كانت تعاني من ذلك النوع من القلق الذي يميز تلك الفئة من سكان المدن، على رغم أن أفرادها يسكنون عادة في شقق فاخرة، ولديهم محاموهم الخصوصيون، وأطباؤهم الخصوصيون، ومستشاروهم الماليون الخصوصيون كذلك. ويمكن القول إن الفيلم يخاطب فئة الأشخاص الراغبين في التخلص من أعباء الثروة، ولا يخاطب الكثيرين خارج هذه الفئة. أما فيلم "القناص" الذي يقوم ببطولته "مارك واهلبيرج"، فأحداثه تجري على نطاق أوسع بكثير من نطاق الفيلم السابق حيث يطل على أميركا من فوق، ويخاطب العواطف المشوشة التي يشعر بها الناس في قلب أميركا، وهي تشمل مزيجاً من الفخر بقواتنا، والشك العميق في الحكومة، وخيبة الأمل مما آلت إليه مهمة أميركا في العالم. لقد سبق لنا من قبل أن رأينا هذه النفسية الممزقة التي تمثل خليطاً مُراً من ردة الفعل على الكارثة مقروناً بالتفكير في أسباب وقوعها اعتماداً على نظرية المؤامرة. بطل الفيلم يلعب دور جندي "مارينز" يحمل اسماً مثيراً للمشاعر، هو "بوب لي سواجر" يتم إرساله في مهمة عسكرية إلى دولة من دول العالم الثالث، لإنقاذ حياة الناس هناك، في حين أن الغرض الحقيقي من المهمة -كما سيتكشف له فيما بعد هو النفط. وهذه الدولة طبعاً -وإنْ لم يذكر اسمها صراحة- هي العراق حيث تبدو الإشارة واضحة إليها في استخدام البطل لعبارة "انتهت المهمة" التي كان بوش قد استخدمها من قبل ليعلن انتهاء العمليات الحربية الرئيسية في العراق، ويستخدمها المخرج هنا على سبيل التهكّم اللاذع. وما يحدث فيما بعد هو أن المهمة تخرج عن مسارها المحدد، ويفقد "سواجر" أعز أصدقائه، ثم يعود إلى الوطن بعد انتهاء دورة خدمته هناك، ليعيش في عزلة في مزرعة لرعاة البقر في سلسلة جبال "روكي"، حيث يقضي الوقت في احتساء الجعة والعناية بأسلحته والخروج للنزهة مع رفيقه الوحيد الذي لا يزال يثق به وهو كلب صيد. ومن عزلته يواصل "سواجر" أيضاً متابعة الأحداث، ويبدي اهتماماً بالسياسة، ولكنه ببساطة لا يحب ما يراه. وفي إحدى اللقطات نرى نسخة مطبوعة من تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر على مكتبه الذي جلس إليه ليفتح جهاز الكمبيوتر الخاص به، وهو يتمتم بينه وبين نفسه "لنرَ ما هي الأكاذيب التي سيحاولون إخبارنا بها". وفي لقطات أخرى يبدو "سواجر" شخصاً مجهزاً بالأدوات التي يمكنه بها تحدي المؤسسة -وهو ما سيروق بالتأكيد لفئة كبيرة من أصحاب التذاكر الذين يهوون هذا النوع من الأفلام- حيث نسمعه يقول: "إنني لم أبدأ هذا الذي يحدث هناك، ولكنني واثق تماماً من أنني سأتمكن من إنهائه" إنه فيلم من نوعية تلك الأفلام التي تناولت قصة الحرب التي يعود منها الأبطال ليتحولوا إلى معتوهين أو فلاسفة. والحقيقة أن كل حرب من الحروب التي خاضتها أميركا أنتجت مثل هذا النوع من ثقافات وسياسات الجنون. فبعد الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال جاء السيناتور "جو ماكارثي" ليتهم الجيش بأنه قد أصبح يمثل أرضاً لتفريخ المخرّبين الموالين للسوفييت. وبعد فيتنام رأينا فيلم "رامبو" الذي كان يصور قصة رجل خانته الحكومة هو ورفاقه الذين كانوا قد أبلوا بلاء حسناً في فيتنام. والآن جاء دور فيلم "القناص" الذي يقدم لنا قصة شبيهة بسابقاتها في التاريخ من ناحية، وتمثل مؤشراً لما سيكون عليه وضع الكثير من المقاتلين بعد العودة من حرب العراق من ناحية أخرى. جيمس بينكرتون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"