خطة بوش الجديدة في العراق لن تغير شيئاً طالما أن حلفاء أميركا في هذا البلد هم من المتعصبين الطائفيين، وطالما أن "رجلنا في بغداد" هو رئيس الوزراء "نوري كمال المالكي" الذي لم يفِ بمعظم الوعود التي قطعها على نفسه منذ أن جاء إلى الحكم حتى الآن. المشاكل التي يعاني منها الأميركيون في بلاد الرافدين عديدة، غير أن من أكبر المشاكل التي يواجهونها هناك، حقيقة أن الأهداف التي يضعونها لأنفسهم غير واقعية وأكبر من اللازم، وذلك إضافة إلى حماستهم الأيديولوجية، مقرونة بضعف المعرفة وبالجهل الفاضح بالمجتمع والسكان في هذا البلد ذي التركيبة الاجتماعية والثقافية والدينية المُعقدة. ويدفعنا هذا للقول بأن العمل بالتعاون مع رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي، من أجل إنجاز رؤية واشنطن كما تعكسها الخطة الأميركية الجديدة للشرق الأوسط كما عبَّرت عنها وزيرة الخارجية "كوندوليزا رايس" مؤخراً، من أجل مواجهة الأطماع السياسية والأهداف التوسعية لإيران حيال العراق، ومقاومة دورها التخريبي المزعزع للاستقرار في ذلك البلد... لا يمثل البداية الصحيحة على هذا الطريق بأي حال من الأحوال... ويعود ذلك لعدة أسباب؛ منها ما أعلنته السلطات الأميركية في العراق، من أن قواتها قد تمكنت خلال الشهر الماضي من القبض على 8 ضباط إيرانيين تابعين للحرس الثوري الإيراني في كل من بغداد وأربيل، حيث أثبتت التحقيقات التي أجريت مع هؤلاء الضباط خلال الأيام اللاحقة، أنهم كانوا قد جاءوا من إيران ضيوفاً على حكومة المالكي الحالية، وأن القبض عليهم تم بعد عدة شهور من المراقبة والتدقيق، مما بيَّن أن هؤلاء الضباط كانوا متورطين في ممارسة أنشطة ضارة بالأمن العراقي؛ شملت ضمن ما شملت تدريب المليشيات الطائفية على تصنيع القنابل وعلى كيفية مهاجمة القوات الأميركية المتمركزة في العراق. ومن الأشياء التي لم تعد الآن سراً بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الغربية والعربية التي تنشط على أرض العراق، أن الأمر لا يقتصر على هؤلاء الضباط الثمانية، وإنما هناك غيرهم كثيرون مازالوا موجودين في هذا البلد، وأن المزيد منهم لا يزالون يتلقون الدعوات الرسمية للحضور وزيارة العراق، سواء من جانب رئيس الوزراء، أو من جانب الدائرة الشيعية الضيقة المحيطة به في الوقت الراهن. وليست هذه هي كل أنشطة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بل هو يواصل القيام بأنشطة مماثلة، بعضها يلحق الأذى بوحدة العراق وانسجامه الوطني، في نفس الوقت الذي لا يتورع فيه عن الحديث حول التعاون والوحدة الوطنية الداخلية. وكان من آخر الخطوات التي قام بها المالكي في هذا السياق تعيينه لضابط عسكري شيعي موالٍ له هو الفريق "عبود قنبر" -ضابط لا يعرف عنه يوماً أنه حقق أي عمل مأثور أو إنجاز يشار إليه بالبنان في مسيرته العسكرية- في منصب رئيس أركان الجيش العراقي، وذلك لكي يعيد مرة أخرى "بناء المؤسسة العسكرية العراقية" الجديدة وفق ما يريده المالكي وانطلاقاً من تصوراته الطائفية الخاصة. و"قنبر" يأتي من صميم البيئة الشيعية في جنوب العراق... وأي خبير كان يعمل في العراق، يعرف أن تلك المنطقة ليست سوى امتداد فعلي لإيران المجاورة، فيما يتعلق بكثير من المظاهر، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، استخدام اللغة الفارسية في الحديث في العديد من تلك المناطق. ونصيحتي أن يقوم الخبراء الذين يعملون ضمن طاقم الرئيس جورج بوش بصياغة مذكرة تقول: "إن الجيش العراقي هو المؤسسة الوحيدة في العراق في الوقت الراهن التي لا تزال تحتفظ بقدر من الوطنية والإيمان بالأمة العراقية الموحدة... ولا توجد بها سوى انقسامات طائفية لا تكاد تذكر... وإنه ما زال من الممكن إعادة بناء هذا الجيش... لكن المهم في هذا الصدد أن نبعد أيدي المالكي عنه... فرئيس الوزراء والعقول الإيرانية التي تفكر له، سيلحقون بالجيش نفس الضرر الذي ألحقوه بقوات الشرطة العراقية والخدمات الأمنية والنظام القضائي، أي تحويله إلى مؤسسة طائفية شيعية بعد تطهيره من الضباط الأكراد والسُّنة وتحويله إلى أداة لخدمة الطائفة أساساً وليس خدمة العراق، ويجب علينا ألا نسمح بذلك بأي حال من الأحوال". ربما يكون الأمر قد تأخر كثيراً ولكننا إذا ما كنا نريد أن نقوم بخطوة في الاتجاه الصحيح، فإن الخطة الجديدة يجب أن تشتمل على النقاط الجوهرية التالية: إقالة حكومة المالكي، وحل الشرطة الوطنية والخدمات الأمنية وغير ذلك من البنى الشيعية التي زرعتها حكومة المالكي ورجاله في مجال التربية والتعليم ومشروعات التنمية، وسواها من الأذرع التنفيذية للحكومة. ويجب أن يتضافر ذلك مع خطة لإعادة بناء الجيش العراقي، يراعى فيها أن تسير بوتيرة سريعة، مع العمل على إعادة الضباط السُّنة إلى صفوف الجيش، وإضافة مزيد من الضباط والجنود الأكراد إلى تلك الصفوف، وإعادة تأهيل معظم الضباط البعثيين من المستويات الدنيا والمتوسطة والذين سبقت لهم الاستقالة من الخدمة العسكرية. وإلى أن تتم إعادة تشكيل هذا الجيش وتوليه لمسؤولياته، فإن الجنرالات الأميركيين الموجودين في العراق يجب أن يقوموا فوراً بتولي المسؤولية نيابة عن الحكومة العراقية. قد يتطلب الأمر قرابة عام حتى نتمكن من معرفة النتيجة النهائية لتلك الجهود، ولكن مما لاشك فيه أن كثيراً من الأضرار ستزول إذا ما ذهب المالكي. إن العراق ليس دولة ديمقراطية، ولذلك ليس هناك ما يدعو أميركا للتظاهر بتقاسم السلطة مع هؤلاء الذين يتآمرون من أجل هزيمة المشروع الأميركي في العراق. إذا ما كانت الولايات المتحدة غير راغبة في الإقدام على ذلك الآن فإن الخيار الصحيح الذي يتبقى أمامها هو سحب الجنود الأميركيين من هناك، قبل أن يفقد المزيد منهم حياتهم، أو يتعرضون لبتر أطرافهم مقابل لا شيء!