رغم أن التقارير حول هزيمة "المحاكم الشرعية" في الصومال وفرار عناصرها، قد احتلت صدارة أجهزة الإعلام المختلفة، فإن ذلك لا يمثل في الحقيقة سوى جزء ضئيل من قصة الصومال الحالية، وبالتالي يجب ألا يصرف أنظارنا عن التحدي الأكبر الذي يواجهنا هناك، والذي يمكن إجماله على النحو التالي: إذا لم تقم الولايات المتحدة بتقديم يد العون من أجل إرساء الاستقرار في الصومال، فإن هذه الدولة ستبقى كما كانت دائماً، منذ بداية التسعينيات، أي ملاذاً آمنا للإرهابيين وزعماء الحرب، ومصدراً من مصادر عدم الاستقرار في منطقة حرجة. وحكومة الصومال المؤقتة الضعيفة، تحاول في الوقت الراهن أن تعيد تأسيس نفسها كحكومة ممثلة للشعب الصومالي. لكن- وكما تفيد كافة الروايات- فإن الصوماليين لم يلتفوا حول هذه الحكومة حتى الآن... بل الحقيقة هي أن أسعار البنادق قد ارتفعت في مقديشو بصورة لم يسبق لها مثيل نتيجة الارتفاع الحاد في الطلب عليها، كما أن كثيراً من زعماء الحرب الذين طالما استغلوا مقديشو وغيرها من مناطق الصومال، كإقطاعيات خاصة لهم، لا زالوا يتحركون بحرية في مختلف أنحاء البلاد، ولا تزال الفوضى ضاربة أطنابها رغم انسحاب المقاتلين الإسلاميين من مقديشو والمدن الرئيسية إلى المناطق الصحراوية. بسبب ذلك كله، يتعين على الولايات المتحدة التحرك بسرعة للحيلولة دون عودة العنف على نطاق واسع في الصومال، لاسيما أن استقرار الصومال قد غدا، أكثر من أي وقت مضى، أمراً في غاية الأهمية للمنطقة ولأمن أميركا القومي. ويذكر أن الاضطراب وانعدام النظام والقانون الذي كان سائداً في الصومال طوال السنوات الماضية، قد انتشر إلى كينيا وإثيوبيا المجاورتين، كما وفر ظروفاً ملائمة للمنظمات غير الشرعية والسرية العالمية التي تقوم بالتجارة في الأسواق السوداء. إلى ذلك مثلت الصومال لفترة طويلة من الوقت، ملاذاً للإرهابيين، بمن فيهم ثلاثة من الأشخاص الذين يشتبه بضلوعهم في عملية تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، والذين أشار متحدث باسم "البنتاجون" إلى أنهم كانوا مستهدفين بالضربات الجوية الأميركية الأخيرة في الصومال. ليس هناك خلاف على أن استهداف الإرهابيين أمر مهم، لكنه ليس كل شيء. فالمطلوب- بالإضافة لذلك- القيام بجهد أوسع نطاقاً لتأسيس الاستقرار السياسي في الصومال. لقد أوضح زعماء "القاعدة" أنهم ينظرون إلى حالة عدم الاستقرار السائدة حالياً في الصومال، على أنها تمثل فرصة لهم لمد نفوذهم إلى هناك. لذلك فالولايات المتحدة بحاجة إلى معالجة عدم الاستقرار السائد في هذه الدولة حتى لا يتمكن تنظيم "القاعدة" من استخدام أراضيها كقاعدة انطلاق والإضرار بمصالحها. ويجب على الولايات المتحدة في هذا السياق، التحرك بسرعة للتأكد من أن الغزو الإثيوبي الأخير لأراضي الصومال لن يتحول إلى مجرد فصل من فصول التاريخ الصومالي المضطرب، خصوصاً وأن إثيوبيا وإن كانت قد حققت نصراً تكتيكياً من خلال هذا الغزو، إلا أنها أخفقت في إنجاز نصر استراتيجي، لأنه لا أحد- بما في ذلك المجتمع الدولي وإثيوبيا ذاتها- كان مستعدا لمواجهة ما يلي هذا الغزو من تداعيات واستحقاقات. عندما التقيت رئيس الوزراء الإثيوبي "ميليس زيناوي"، قبل غزو جيشه للصومال بعدة أسابيع، قال لي إن بلاده لا تمتلك الإمكانيات التي تمكنها من الاضطلاع بعملية إعادة بناء في الصومال، وأنه سيعمل بسبب ذلك على سحب قواته من هناك في غضون أسابيع قليلة. وإذا ما افترضنا أن إثيوبيا تريد حقاً الانسحاب في نقطة معينة خلال المستقبل القريب، فإننا سنجد أنفسنا مرة ثانية- إذا ما تحقق هذا الانسحاب- أمام فراغ القوى الخطير ذاته الذي أدى إلى إدامة مصالح زعماء الحرب والمتطرفين في المقام الأول. ويتعين على الولايات المتحدة أن تتخذ ثلاث خطوات حاسمة على الأقل، لتحقيق الاستقرار في الصومال خلال الأسابيع والشهور القادمة. الخطوة الأولى؛ تحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة جهودها الدبلوماسية الرامية لتكتيل الدعم اللازم لتشكيل قوة حفظ سلام قوية قادرة على الانتشار الفوري في الصومال. ستكون هناك بالطبع مساعدات أميركية، غير أنه ليس من الضروري أن تكون تلك المساعدات في شكل قوات، وإنما يمكن أن تتخذ شكل تقديم مساعدات في مجال النقل والإنقاذ الجوي والدعم اللوجستي والتدريب. بالطبع ستحتاج هذه القوة إلى تفويض أممي واضح وإلى توافر القدرات التي تمكنها من تحقيق الاستقرار في مختلف أنحاء البلاد. الخطوة الثانية؛ يجب على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل نشط مع حكومة الصومال وغيرها من الفاعلين الإقليميين والمجتمع الدولي، من أجل مساعدة الشعب الصومالي على إقامة حكومة وطنية جامعة. ويمكن للميثاق الفيدرالي الانتقالي الموقع عليه من قبل غالبية العشائر والقبائل الصومالية عام 2004، أن يخدم كنقطة انطلاق أو كمرجعية في النقطة الحالية من الزمن، وإن كان من الأفضل بالطبع أن نقوم بإعادة مراجعة هذه الوثيقة قبل الإقدام على ذلك. ورغم أن سجل أميركا ليس مثالياً، فإن لها تجارب في العمل مع العديد من الأنظمة السياسية القائمة على تركيبة إثنية وعشائرية معقدة، كما كان الحال في البوسنة وأفغانستان وليبيريا وغيرها. الخطوة الثالثة؛ يجب على الولايات المتحدة الدفع باتجاه تكوين صندوق ائتمان دولي كبير، لمساعدة الحكومة الصومالية الناشئة على التفرغ لشؤون الحكم. والدروس العديدة التي تعلمتها الولايات المتحدة في أفغانستان ولبنان وكوسوفو، يمكن أن تكون مفيدة في هذا الشأن. ونظراً إلى أن المؤسسات الصومالية ضعيفة للغاية، وإلى أن احتياجات شعبها ضخمة للغاية، فإنه من الأهمية بمكان في هذا السياق أن تقوم الدول المانحة والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية... بالمساهمة في جهود تحقيق الاستقرار في الصومال، كما يجب على كل تلك الكيانات تنسيق جهودها للتأكد من أن كل دولار سيتم إنفاقه في مصلحة شعب الصومال وليس من أجل ترسيخ مصالح الزعماء ذوي النظرة الضيقة والذين كانوا من بين الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار في ذلك البلد. إن الجهود الأميركية السابقة لمعالجة الديناميات الداخلية العنيفة والمتصارعة في الصومال، قد فشلت، وهو ما لا يجب عليها أن تنساه، بيد أنه يجب عليها وهي تحاول ذلك ألا تسمح لشبح الماضي أن يحول أنظارها عن الهموم الأمنية الملحة التي تواجهها في المنطقة حالياً. هناك فرصة متاحة أمامنا الآن لمساعدة شعب الصومال على انتشال نفسه من هوة عقدين من الفوضى، وحماية أمننا القومي في ذات الوقت. أما إذا لم نتحرك بسرعة وبجرأة على جميع الجبهات، فإن الصومال ستظل كما كانت منذ ما يزيد عن عقدين ملاذا للشبكات الإرهابية ومصدرا لعدم الاستقرار الذي يشكل بدوره تهديدا مباشرا للولايات المتحدة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مسؤول الشؤون الأفريقية بلجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس "الشيوخ" الأميركي ــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"