أدى امتناع سائقي سيارات الأجرة في مطار "مينيابوليس- سانت بول"، في الولايات المتحدة الأميركية، عن نقل الأشخاص الذين يحملون مشروبات كحولية، أو المواطنين المكفوفين الذين يصطحبون معهم كلاباً ترشدهم للطريق، بسبب ما يعتبرونه -حسب تفسيرات بعض الأئمة للشريعة الإسلامية- تدنيساً لهم، إلى إثارة موجة عارمة من الجدل في الأوساط الإعلامية الأميركية. فقد عرضت القنوات التلفزيونية الرئيسية في أميركا، مثل "سي. إن. إن" و"فوكس نيوز"، ذلك الموضوع في برامجها ونشراتها الإخبارية، كما تناقلته وكالات الأنباء، ومازالت تلوكه الألسن في كل مكان، منذ أن تناولته وسائل الإعلام يوم الجمعة الماضي. وليست هذه المرة الأولى التي يُقدِم فيها سائقو سيارات الأجرة على عمل مماثل، بل لقد بدأ ذلك منذ عام تقريباً ليصل إلى الذروة عندما ذكرت إحصاءات من سلطة المطار أن مئة شخص تأخروا عن الالتحاق بوجهاتهم جراء امتناع السائقين عن نقلهم. وأشارت الإحصاءات ذاتها إلى أن فترة الانتظار لدى العملاء وصلت إلى الساعة أحياناً دون أن يقف لهم أي من سائقي التاكسي المعنيين. ويرجع السبب وراء هذا الاختلال الكبير الذي لحق بحركة المواصلات ونقل المسافرين، إلى أن ثلاثة أرباع سائقي التاكسي العاملين في محيط المطار، من إجمالي 900 سائق تاكسي هناك، هم من الصوماليين المسلمين الذين يتقيدون بالفتاوى ويلزمون بها باقي الأميركيين كما لو أنهم من معتنقي الدين الإسلامي، دون مراعاة للاختلاف الثقافي ضمن بيئتهم الأميركية المغايرة. وكأن ذلك لا يكفي، فقد صرح "دامون دريك"، وهو مدير محلي لـ"مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية" بأن الموضوع كله ليس مهماً بالطريقة التي يسعى الإعلام إلى تصويرها، قائلاً: "اليوم بعد مجيء المسلمين إلى أميركا، علينا استضافتهم على نحو لائق"، ليؤجج بذلك الخطاب القديم عن صِدام الحضارات الذي يبثه بعض المتعصِّبين من الجانبين. وترجع جذور القضية إلى أكثر من إثني عشر شهراً، خلت عندما توصلت سلطات المطار بفتوى دينية من فقيه يرأس الجمعية الأميركية الإسلامية في ولاية مينوسوتا، يحرِّم فيها على سائقي التاكسي المسلمين نقل الركاب الذين يحملون معهم مشروبات كحولية، لأن ذلك يعتبر برأيه "مشاركة في ارتكاب الذنب". أما الحل الذي اقترحه بعض المسلمين المتطرفين لتجنب الوقوع في الرذيلة، فهو لفت انتباه الركاب إلى سائقي التاكسي من المسلمين الذين يرفضون نقلهم عبر المدينة من خلال تمييز سياراتهم بعلامات واضحة، أو وضع طلاء خاص عليها، حتى لا يضطر الركاب ممن لا تنطبق عليهم شروط السائقين، وينتهكون الفتوى التي أصدرها الشيخ، إلى الانتظار في طوابير طويلة لإيقاف سيارة أجرة يفترض أنها تخدم المواطنين دون تمييز. ولعل هذا الإحجام عن نقل الركاب، بصرف النظر عن الاعتبارات الدينية، شبيه بقول أحدهم لراكب: "أنا مسلم ولهذا السبب لن أوصلك إلى وجهتك". وبعيداً عن الشعور بالغضب الذي تثيره مثل هذه المواقف الصادرة عن مجموعة من المتعصبين، لابد من النظر ملياً في دلالات الحدث وتداعياته المستقبلية على المسلمين في الولايات المتحدة. فالواقع أن بعض سائقي التاكسي الذين رفضوا القيام بمهمتهم كما ينبغي وأقاموا حواجز دينية بينهم وبين السواد الأعظم من المواطنين الأميركيين من غير المسلمين، تصرفوا بشكل ينم عن جهلهم المستحكم، أو عن سوء تقديرهم لتداعيات ذلك على الأميركيين. فالموضوع يأخذ أبعاداً خطيرة إذا ما وضع في الظرفية الحالية التي تشهد توتراً في العلاقة بين المسلمين والغرب، سواء الذين يعيشون في رقعته الجغرافية، أو الذين يتواجدون خارجها. ومهما حاولنا التهوين من القضية واستبعادها عن دائرة النقاش باعتبارها عملاً صادراً عن مجموعة هامشية لا تعبر بالضرورة عن المواقف العامة لمسلمي أميركا، ولا تمثل التيار السائد الأكثر اعتدالاً، فإنه ينبغي أن نتساءل: ماذا لو تمادت تلك الجماعة، على هامشيتها وقلة شأنها، في ممارستها الغريبة المنافية لقواعد التعايش المشترك وقبول الآخر المختلف؟ ما العمل مثلاً إذا طلع علينا غداً متطرفون، من ربابنة الطائرات وعمال القطارات والطائرات، وامتنعوا عن نقل السيدات غير المحجبات، أو منعوا مضيفات خطوط الطيران من توفير المشروبات الكحولية لمن يريدها؟ وماذا أيضاً لو قرر المسلمون، وهم يمثلون الأغلبية في بعض الأحياء الأميركية مثل بروكلين بنيويورك أو في ولايات تشهد كثافة سكانية من المسلمين مثل ميتشجان، المطالبة برفع نداء الأذان لصلاة الفجر في تلك الأحياء عبر مكبرات الصوت؟ ليس ذلك مستبعداً إذا ما تذكرنا تصريحات إمام في أستراليا قبل بضعة أشهر وأثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية وغيرها، عندما شبَّه النساء السافرات في أستراليا بـ"اللحم العاري الذي يجتذب المفترسين". ومهما بدا الأمر بسيطاً ولا يحتاج إلى كل هذا النقاش، إلا أنه في الحقيقة ليس أمراً بسيطاً كما يتصور البعض، فالولايات المتحدة ليست بلداً إسلامياً متزمتاً، ومثل هذا التصرف الذي أقدم عليه سائقو التاكسي في مطار "مينيابوليس- سانت بول"، ينذر بتوتر العلاقات وبرد فعل غربي متعصب. والأكثر من ذلك أن المسلمين في أميركا وأوروبا وأستراليا، انخرطوا خلال العقود الأخيرة، في دعوة الآخرين لتبني أفكارهم على نحو غير واقعي يسعون من خلاله إلى تحويل المجتمعات الغربية التي تنعم بالحرية إلى هيئات للتعبد. غير أن ما يتناساه هؤلاء المتطرفون هو التضحيات التي بذلها الغرب من دم أبنائه عبر قرون مديدة، لتشييد صروح من الحرية والعلمانية أصبح يستحيل التخلي عنها اليوم بين عشية وضحاها. وفي هذا السياق من المهم استحضار تعليق رئيس الوزراء الأسترالي، على هامش إحيائه للذكرى العاشرة لبقائه في منصبه المنتخب قائلاً: "على جميع المهاجرين الاندماج في المجتمع. ويعني ذلك التكلم بالإنجليزية في أسرع وقت ممكن، ويعني أيضاً اعتناق القيم الأسترالية، فضلاً عن إدراك المهاجرين أنه مهما كانت الثقافة التي ينحدرون منها، فإن أستراليا تطلب منهم احترام المرأة ومعاملتها بعدل وإنصاف وعلى قدم المساواة مع الرجل. أما إذا كانت لبعض المهاجرين أفكار مغايرة، فمن الأفضل له أن يتخلص منها وبسرعة".