سقوط طفل صغير ، أو حدوث إصابة بالرأس، يمكن أن يكونا نذيرين بالخطر الشديد ، وخصوصا إذا ما فقد الطفل وعيه . وفي بعض الأحيان قد يدعو الأمر إلى تصوير الرأس بالأشعة المقطعية Computerized Tomography Scan التي يطلق عليها على سبيل الاختصار ( CT Scan)، للتأكد من عدم حدوث كسر أو نزيف داخل المخ. ولكن الإجابة التي تقدمها هذه التقنية الفائقة التطور في هذا السياق، يمكن أن تحدد يقينيا، ما إذا كانت تلك السقطة أو الإصابة ستسبب ضررا في المدى الطويل أم لا .
فقد توصل الباحثون إن صور الأشعة المنخفضة الجرعة التي يتم إجراءها على رأس الطفل قبل بلوغه الشهر الثامن عشر من عمره، يمكن أن يكون لها تأثير ضار على قدراته الذهنية..(من المعروف أن التصوير بالأشعة المقطعية يستخدم جرعات مخفضة من الأشعاع).
وفي دراسة تم إجراءها على 3094 شخص، وجد العلماء السويديون أنه كلما تعرض الأطفال إلى جرعات أكبر من الإشعاع ، كلما ازداد حجم الضرر الذي يمكن أن تتعرض له قدراتهم الذهنية، واستعدادهم للتعليم، وتفكيرهم المنطقي. وقد قام الباحثون بإجراء أبحاثهم على أشخاص تلقوا علاجا لرؤوسهم بالإشعاع المنخفض الجرعة عندما كانوا أطفالا، ثم قاموا بدراسة تطورهم التعليمي وأداءهم في الامتحانات. والنتائج التي تمخضت عن تلك الأبحاث، تشير إلى أن الإشعاع يمكن أن يحدث خللا في عملية نمو المخ لدى الأطفال، الأمر الذي يستلزم تقييمها ( النتائج) من قبل الأطباء الذين يفكرون في إجراء فحص بالأشعة المقطعية على رؤوس للأطفال المصابين بكدمات بسيطة في الرأس.
وفي هذا السياق قال د. " مارفين دي. نيلسون " المتخصص في مجال التصوير الإشعاعي العصبي، ورئيس قسم التصوير بالأشعة بمستشفى لوس أنجلوس للأطفال، إن الدراسة تثير أسئلة هامة حول التأثيرات الطويلة الأمد للإشعاعات.
وأشار " نيلسون" إلى أن تلك الدراسة يجب أن تكون متبوعة بدراسة أخرى تقوم بالتقييم المباشر لتأثيرات الأشعة المقطعية على وجه التحديد، وليس تأثيرات الإشعاعات بشكل عام مثل أشعة جاما، وبيتا، وأكس، وراديوم –266 التي يتم استخدامها في علاج الأطفال.
وفي الدراسة التي ظهرت في عدد الثالث من يناير الجاري من "المجلة الطبية البريطانية" British Medical Journal قام الباحثون بمعهد " كارولينسكا" في مدينة استكهولم بتقييم القدرة الذهنية للأشخاص الذي تلقوا علاجا بالأشعة المنخفضة الجرعة عندما كانوا أطفالا رضع ، بغرض علاجهم مما يعرف بمرض "التشوه الوريدي على سطح الجلد" الذي يطلق عليه " هيمانجيوما" Hemangioma .
ومما يلزم ذكره في هذا السياق، أن العلاج بالأشعة المنخفضة الجرعة كان هو العلاج السائد لهذا المرض خلال الفترة من ثلاثينيات القرن الماضي وحتى نهاية الخمسينيات منه.
ونظرا لأن خمسة وتسعون في المئة تقريبا من الرجال السويديين يتم فحصهم في سن الثامنة عشر والتاسعة عشر، قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية، فإن الباحثين تمكنوا من استقصاء المعلومات المتعلقة بنتائج الاختبارات التعليمية والمعرفية، لهؤلاء الذين تم علاجهم بالإشعاع عندما كانوا أطفالا .وقد تبين لهؤلاء الباحثين أن نسبة الأولاد الذين التحقوا بالمدارس الثانوية من بين هؤلاء الأطفال الذين عولجوا بالإشعاع عندما كانوا أطفالا ،كانت تنخفض كلما ارتفعت جرعة "الإشعاع المتأين " Ionizing Radiation ( الإشعاع الذي يخترق الجسم) على مقدمة ومؤخرة المخ. فكلما ازدادت جرعة الإشعاعات التي تعرضوا لها من هذا النوع، كلما زادت درجة الضرر التي لحقت بقدراتهم على التعلم وبتفكيرهم المنطقي. أما قدرتهم على تقدير المسافات فلم تتأثر نتيجة للعلاج بهذا النوع من الإشعاع.
ونظرا لأن تأثيرات تلك الجرعات تتقاطع مع تأثيرات الأشعة المقطعية، فإن النتائج التي توصل إليها الباحثون، تثير أسئلة حول التأثيرات التطورية للعلاج بالأشعة المقطعية، التي يتم استخدامها على نحو متزايد لعلاج الإصابات الصغرى بالرأس. وعلى رغم أن هؤلاء الباحثين لديهم بيانات تتعلق فقط بالتعرض للإشعاع في الشهر الثامن عشر من العمر، إلا أنهم يقولون أن تلك النتائج تثير أسئلة حول التعريض للأشعة بالنسبة الأطفال الصغار ، وبالنسبة لغيرهم في الفئات العمرية المختلفة.
ولكن د." نيلسون" يقول أن أنواع الإشعاعات التي كان يتم استخدامها في ذلك الوقت، تختلف عن الأشعة المقطعية التي يتم استخدامها في الوقت الحالي، كما يقول أن هناك أيضا فروقات في الطريقة التي يتم بها امتصاص الأنواع المختلفة من الإشعاعات بواسطة المخ." فإذا ما كان الطفل قد عانى من إصابة كبيرة بالمخ وفق تشخيص الطبيب الفاحص، فإنني لا أتردد في إجراء أشعة مقطعية على رأس مثل هذا الطفل... لأن المزايا هنا تفوق الأضرار بكثير" ,هذا ما يقوله " د. نيلسون " تعليقا على ما توصل إليه الباحثون في هذا الشأن.فالأشعة المقطعية – كما يقول – لازالت هي الوسيلة المفضلة عندما يشك الطبيب أن الطفل يعاني من إصابة في المخ. والعلامات الدالة على خطورة الإصابة في المخ تتمثل في