كانت السنة الماضية في الشرق الأوسط سنة بالغة الخطورة أما السنة القادمة (2007) فستكون دراماتيكية. وكبداية أقدم لكم بعض الأشياء المؤكدة الدالة على ذلك: في قطاع غزة والضفة الغربية -ستندلع حرب كاملة بين الفصائل الفلسطينية يصعب التنبؤ بتداعياتها. وفي مثل هذا الوقت من العام القادم سيكون الحديث عن "الأخوة" قد انتهى. لماذا؟ لأن مقاتلي "فتح" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" وغيرها من المنظمات والجماعات، سيشاركون جميعاً في تلك الحرب، كما سيشارك فيها أيضاً الراعون الأجانب، مثل إيران وسوريا والأردن ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة، من خلال إرسال الأسلحة والذخائر والصواريخ والأموال والنوايا أيضاً. أما على مستوى المنطقة بشكل عام، فستتزايد العقوبات الأميركية والدولية ضد إيران وسوريا، كما ستتزايد في المقابل درجة التحدي الذي ستبديه هاتان الدولتان الحليفتان اللتان ستحاولان زعزعة استقرار لبنان من خلال تفعيل وكلائهما هناك" وهم "حزب الله" بقيادة حسن نصرالله، وساكنو المخيمات الفلسطينية الذين يبلغ عددهم 400 ألف نسمة، والذين يعملون بشكل وثيق مع المليشيات الشيعية من أجل دفع البلاد نحو حرب أهلية جديدة، ستكون إذا ما اندلعت أشد شراسة من الحرب الأهلية السابقة التي استمرت 15 عاماً قبل أن تنتهي عام 1990 باتفاق الطائف. وكما سيحدث في الحرب التي ستندلع بين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، فإن الحرب الأهلية التي قد تندلع في لبنان ستؤدي إلى تدفق الدعم والأسلحة على ذلك البلد، وإلى اجتذاب الداعمين الغربيين والشرق أوسطيين، لنصرة المسيحيين والشيعة والسُّنة والدروز والأرمن... وغيرها من الطوائف التي تعيش في لبنان. وليس هذا فحسب، بل إن تلك الحرب ستؤدي إلى اجتذاب المجاهدين الذين يبحثون دائماً عن ساحات للتدريب والقتال، والذين سيتدفقون على لبنان لتأسيس معسكرات، وسيكون من بينهم بالطبع مجاهدون تابعون لتنظيم "القاعدة". وفي العراق وإيران، بل وفي أفغانستان ولبنان والصومال وباكستان، وعلى الأقل في دولة عربية واحدة في الخليج العربي، سيكون الجهاديون الإسلاميون هم الجهة الرئيسية التي ستقوم بوضع أجندة العمل، حيث سيبرزون من الظلام كي يملوا إيقاع الأحداث ومجريات الحرب والسلام... أما اللاجئون العراقيون الذين وصل عددهم الآن إلى مليوني لاجئ، فسوف يتضاعف عددهم. وفي الولايات المتحدة فإن الكونجرس الذي يتحكم فيه "الديمقراطيون"، سيقوم بتحويل المأزق العراقي الحالي إلى تراجيديا بمعنى الكلمة، وذلك عندما يقوم، كما هو متوقع، بمعارضة أي مقترح تقدمه إدارة جورج بوش يقصر عن إعلان الانسحاب الفوري والكامل للقوات الأميركية من أرض العراق. أما الشعب الأميركي فسيتغير موقفه ليصبح هو الرفض التام لأي تورط أميركي خارج الحدود مهما كانت الأسباب. أما الصومال الذي تفكك، وتحول إلى مستوطنة كبيرة للمقاتلين الأصوليين الجهاديين القادمين إليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، والذين تدفقوا على أراضي هذه الدولة المطلة على المحيط الهندي، فسيواصل انزلاقه إلى هاوية الفوضى الدموية، جاراً منطقة القرن الأفريقي بأسرها معه. وإذا ما ألقينا نظرة أكثر قرباً على ما يدور في هذه المنطقة والاحتمالات المتوقعة لها، فسيتبين لنا وجود عسكريين أميركيين متورطين هناك بالفعل، وكذلك عملاء لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وغير ذلك من وكالات ذات طبيعة شبه عسكرية، وأن الولايات المتحدة تنوي كذلك زيادة تواجدها هناك من خلال إرسال مزيد من المستشارين. ومن الطبيعي نتيجة لذلك كله، أن يزداد تدفق الأسلحة على إثيوبيا المسيحية بدرجة كبيرة، وأن يزداد عدد الجماعات التابعة لها، وأن يزداد عدد مراكز المراقبة والرصد التي ستقيمها الجيوش الأجنبية فيها. ومع الامتداد الكبير لمنطقة القرن الأفريقي المطلة على المحيط الهندي، والتي أصبحت مفتوحة نتيجة ذلك كله على مصراعيها، فإن البحرية الأميركية و"الناتو"، سيجدان نفسيهما مضطرين إلى مضاعفة حجم تواجدهما للحيلولة دون تدفق العناصر أو الأسلحة أو المعدات التي يمكن أن تجلب معها الفوضى العارمة للمنطقة عن طريق البحر. أما في إسرائيل التي ليس هناك شك في أنها تألمت عندما أدركت في الصيف الماضي حدود قوتها العسكرية، عندما وجدت نفسها تخوض حرباً من نوعية حرب العصابات مع "حزب الله"، فإن القادة السياسيين والعسكريين فيها سيجدون أن أعداءهم قد ازدادوا جسارة. وعدد صواريخ "حماس" التي سيتم إطلاقها من غزة وصواريخ "حزب الله" التي سيتم إطلاقها من لبنان على الأراضي الفلسطينية، سيزداد أيضاً من أجل اختبار مدى قدرة إسرائيل على الصبر مرة أخرى. وستجد الحكومة الإسرائيلية نفسها مضطرة مرة أخرى للرد على تلك الهجمات. وفي إسرائيل نفسها، فإنه من المتوقع أن تظل حكومة إيهود أولمرت -كما تشير معظم الاحتمالات- في الحكم، ولكن المتوقع من هذه الحكومة أيضاً أن تكون استجابتها الفعلية بالنسبة لـ"حماس" و"حزب الله" غير كاملة وغير فعالة في عام 2007، بنفس الدرجة التي كانت عليها خلال العام الحالي الذي أوشك على الانقضاء. علاوة على ذلك، سيستمر إيهود أولمرت ووزير دفاعه وكافة أحزاب المعارضة الإسرائيلية، في إظهار نوع من الافتقار الصادم لأية رؤية استراتيجية يجب تبنيها في القرن الحادي والعشرين، في مواجهة النمو الهائل للأصوليين الإسلاميين، وإزاء التحديات التي تواجهها الحكومة المصرية التي ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن السقوط التام لكيانات المجتمع الفلسطينية، سيؤدي إلى زيادة حجم التحديات الداخلية لإسرائيل. أما على الساحة الاقتصادية فسنجد أن سعر البترول سيواصل تدهوره، نتيجة لظهور المزيد من مصادر الطاقة البديلة، سواء من الفحم أو من الرمال البترولية وصولاً إلى الإيثانول، في الأسواق العالمية. أما دور روسيا كمورِّد رئيسي جديد للطاقة التقليدية، فسينمو بصورة كبيرة. ومن المعروف أن روسيا في الوقت الحالي هي المورد الرئيسي للبترول والغاز الطبيعي لقارة أوروبا، وأنها في طريقها كي تصبح المورد الرئيسي للنفط والغاز الطبيعي للقارة الآسيوية أيضاً. وستنضم كندا إلى روسيا كي تصبح هي الأخرى قوة رئيسية في مجال الطاقة على المستوى العالمي، وهو ما يرجع إلى احتياطاتها الهائلة من الرمال البترولية التي يتم استخراجها الآن بواسطة شركات النفط الكبرى العاملة فيها. ولاشك في أن التداعيات الاستراتيجية على نفوذ الولايات المتحدة، والذي تمثله هاتان الدولتان في مجال الطاقة، بحاجة إلى الرصد والحساب الدقيق من جانب مراكز الأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك من جانب "الناتو" و"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".