المعنى الذي يمكن أن يستخلصه المراقب المتمعن، من تحذيرات العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، خلال افتتاحه قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (قمة جابر)، يوم السبت الماضي؛ عندما وصف وضع المنطقة العربية قائلاً إنها تجلس على "خزان مليء بالبارود ينتظر شرارة لينفجر"؛ المعنى هو أن المنطقة العربية بأكملها، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، قد تكون مقبلة على زلزال مدمر وخطير. والذي يجري في العراق ولبنان وفلسطين، المناطق الثلاث التي بعث بشأنها الملك عبدالله الرسائل باعتبارها الأكثر اضطراباً، لا يختلف عن الذي يجري في الصومال والسودان وغيرهما من الساحات العربية، فضلاً عما يحدث في الجوار الاقليمي بين الهند وباكستان، وبين إيران والمجتمع الدولي... فكل ذلك ينبئ بأن الأيام القادمة قد تكون مليئة وحبلى بالأخبار "غير السارة"، إذا لم يتحرك العرب، وتحديداً الخليجيون؛ لنزع فتيل الأزمات وإبعاد برميل البارود قبل وصول أي شرارة من هذه النقطة الملتهبة أو تلك؛ لأنه بمجرد انطلاق "الشرارة" الأولى للحريق لن تفلح أي جهود لإطفائه أو احتواء دائرة اللهب التي ستشمل، بالتأكيد، الدول العربية كلها، القريب منها وحتى البعيد، وأيضاً تلك التي لا زالت تنعم بالاستقرار... وهي قليلة طبعاً، سواء في منطقة الخليج العربي أو خارجها. ومقولة أن منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً ودول الخليج بشكل أخص، تجلس على برميل من البارود أو على صفيح ساخن، مطروحة إعلامياً منذ فترة ولو بشكل متردد، إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن تلك المخاوف بهذه الصراحة ومن قائد عربي كبير بوزن العاهل السعودي. ما تمر به منطقتنا حالياً، ليس جديداً، فهذا قدرها من زمن بعيد، ولكن حالة السكون والصمت، باعتبارنا الأكثر تضرراً وأصحاب المنطقة، وعدم التحرك لمواجهة ما يحدث، يجعلنا وكأننا ننتظر لحظة انطلاق الشرارة التي تتغذى حالياً على مصدرين؛ أولهما الولايات المتحدة التي أخرجت المارد العراقي من قمقمه، وأشعلت حرباً أهلية هناك، وهي تفكر الآن، سراً وعلناً، في انسحاب يحفظ ماء الوجه. أما المصدر الثاني للتوتر الإقليمي، فيمثل العامل المشترك في بؤر التوتر الثلاث التي ذكرها الملك عبدالله، وهو التشدد الإيراني ممثلاً في تيار الرئيس أحمدي نجاد. وفي جميع الأحوال يبقى العرب مراقبين فقط؛ سواء لأنهم لا يملكون خيارات حقيقية للتعاطي مع ما يدور حولهم، أو لانقسامهم بين من لا يمانع بالتدخلات الأميركية والإيرانية، وبين مرحب بتلك التدخلات، إضافة إلى فريق ثالث ينتظر انفجار "خزان البارود"! لم يحدد الملك عبدالله المكان الذي يمكن أن تنطلق منه الشرارة، ولا يستطيع أحد معرفة ذلك، وهذه أحد عيوب المنطقة؛ إن كانت لبنان التي تعيش لأكثر من عامين احتقاناً سياسياً سببته الكثير من الاغتيالات السياسية، أو العراق الذي يقتل فيه الأخ أخاه بطريقة تجاوزت كل الحدود، أم من فلسطين التي تمتزج فيها السياسات بالشعارات والأيديولوجيات! فالصورة الحقيقية كما رسمها الملك عبدالله خطرة وبشعة. وما تخبئه الإرهاصات الأولية ينعكس من خلال المؤشرات التي تخيم على المنطقة وتؤكد أنها مقبلة على "أيام غير سعيدة". ومخطئ من يتصور أن الأمور تسير بغير تلك الصورة، أو من يعتبرها هادئة، وكل الدلائل تؤكد صحة كلام العاهل السعودي، ويرتكب خطأ من يزايد على مخاطر "براميل البارود"، ويقع في خطأ فادح كل من لم يضع بدائل لمواجهة تلك الاحتمالات. واليوم بعد أن تكلم الملك عبدالله بن عبد العزيز، واعترف بوجود الخطر وحدد مصادر التهديد، لن نكون مبالغين إذا طالبنا بتحرك عربي جاد وعاجل، وإلا فعلينا انتظار لحظة الانفجار، بما تحمله من فوضى عارمة في المنطقة. والتحرك الذي نقصده جماعي الطابع، لا فرديا ولا تنافسيا، على ألا يركز على قضية واحدة دون أخرى. فالتحرك العربي لا بد أن يكون متكاملاً من ناحية الجهود المبذولة ومن ناحية شموليته لكافة مناطق الالتهاب وليس قضية واحدة.