في إقليم دارفور السوداني، يمكن القول إن الأيام تتشابه؛ فباستثناء الأسئلة اليومية التي تواجه 3.5 مليون شخص من السكان الذين مازالوا يصمدون في وجه جرائم القتل ، تتردد أسئلة من قبيل: "هل ستسمح الحكومة لأفراد منظمات المساعدة الإنسانية بجلب الطعام اليوم؟"، و"هل عليَّ أن آخذ طفلتي المريضة إلى خيمة الطبيب اليوم؟". وفي الأيام التي ينفد فيها الحطب الضروري لطهي الطعام: "هل أركب مغامرة البحث عن الحطب أو الطعام خارج المخيم، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر التعرض للاغتصاب، أم أترك زوجي يغامر بحياته؟"... لقد وفرت الحكومة السودانية منذ عام 2003، تأييدها الضمني لقتل نحو 450000 شخص من سكان دارفور. وإضافة إلى ذلك، تسببت الحملة الدموية في تدمير نحو 450 بلدة ونزوح قرابة 2.5 مليون شخص، العديد منهم لجأوا إلى مخيمات اللاجئين متخذين منها ملاذاً لهم هرباً من "الجنجويد"، وهم مليشيات عربية تدعمها الحكومة وتعيث في الأرض فساداً. ورغم الوصف الذي أطلقه المجتمع الدولي على هذه الأزمة، باعتبارها جريمة "إبادة جماعية"، وذلك في سبتمبر 2004، فإنه ما زال ينبغي على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، أن تتخذ الخطوات والتدابير اللازمة من أجل توفير الحماية لسكان دارفور الضعفاء وتمكين النازحين منهم من العودة إلى ديارهم. والحال أن الحماية العسكرية الوحيدة التي يتوفر عليها سكان الإقليم اليوم، أمام خطر سقوطهم ضحية هذا النوع من الجرائم ، تتمثل في قوة الاتحاد الإفريقي غير الكافية وضعيفة التجهيز، والتي لا يتعدى قوامها 7000 رجل. والواقع أن هذه القوة غير الكافية، التي عليها أن تقوم بدوريات في منطقة تعادل مساحتها مساحة فرنسا تقريباً، تمثل آخر خط دفاعي بالنسبة لسكان إقليم دارفور. غير أنه حتى اليوم لم يتم دعم هذه القوة بـ20000 جندي إضافي، مثلما دعا إلى ذلك مجلسُ الأمن الدولي في الصيف الماضي. ونتيجة لذلك، يواجه ملايين الأشخاص اليوم، ومعظمهم من النساء والأطفال، في المخيمات القاحلة والجرداء في السودان وتشاد المجاورة، قراراتٍ يومية صعبة، بينما ينتظرون المساعدة التي قد تأتي أو لا تأتي. والواقع أنهم انتظروا طويلاً. لهذه الأسباب خاضت جمعية "ستاند"، المناهضة لجرائم الإبادة والتي أتشرف برئاستها، إضراباً عن الطعام في إطار حملة شملت عدداً من الجامعات في العالم خلال الشهر المنصرم. أما المال الذي تمكنا من جمعه خلال هذه الحملة، فنعتزم استعماله لدعم دوريات الاتحاد الأفريقي من أجل مرافقة الأسر وحراستها أثناء بحثها عن الحطب خارج الحدود الآمنة للمخيمات، حمايةً للأمهات من الاغتصاب والآباء من القتل. قد تبدو عملية جمع التبرعات هذه غريبة بعض الشيء، والواقع أنها كذلك. إذ تمكنا حتى اليوم من جمع أكثر من 120000 دولار، وهو ما لا يمثل سوى رقم صغير من المبلغ الذي نحتاجه فعلاً من أجل توفير حماية حقيقية لسكان دارفور. إلا أننا نفضل أن تبدو جهودنا غريبة بعض الشيء، وقد نتمكن من إنقاذ بعض الأرواح على أن نتراجع ونزعم أن خطاب الدبلوماسية الفارغ كافٍ لإحداث الفرق بالنسبة لأولئك الذين يواجهون خياريْ الموت أو الحياة الآن. إننا مواطنون عالميون، ونستطيع التحرك حتى وإن لم يتحرك قادتنا. ولذلك فنحن عازمون على مواصلة الضغط على الساسة من أجل فعل الأمر الصائب. وبوصفنا طلبة نشطاء، فإننا لا نملك جيشاً، ولا حق التصويت في مجلس الأمن الدولي، ولا تأثيراً على الصين التي تستفيد من مئات آلاف براميل النفط في السودان يومياً، وتزود حكومة الخرطوم بالدعم العسكري والمعدات. غير أننا نتوفر على الآلاف من الأعضاء والفروع في أكثر من 600 مدرسة ثانوية وكلية جامعية. إننا نستعمل صوتنا اليوم من أجل حث الأمم المتحدة على إرسال قوة من القبعات الزرقاء تتمتع بقدرات عسكرية عالية إلى إقليم دارفور -بموافقة حكومة السودان أو بدونها- لأنه على العالم تقع مسؤولية حماية الناجين من جرائم الإبادة هذه أو غيرها؛ ثم إن الحكومة التي ترتكب جرائم إبادة جماعية لا تستحق أن تُحترم سيادتها. وفي الوقت الذي يستمر فيه سكان دارفور في طرح أسئلتهم اليومية المأساوية، ومن ذلك: "هل أستطيع أن آكل اليوم؟"، و"هل سأتعرض للاغتصاب؟"... مازال دبلوماسيو وقادة القوى الكبرى في العالم يطرحون الأسئلة الخطأ من قبيل: "كيف يمكننا أن نبدو منشغلين بقضية دارفور؟"، و"كيف يمكننا تفادي التدخل؟"، و"كيف يمكننا تفادي ظهور موضوع دارفور في الصحف؟"... علينا جميعاً ألا ندعهم يتهربون من التعاطي مع هذه الأزمة. ولذلك، فعلينا أن نقوم باتصالاتنا مع الزعماء السياسيين لتأييد فكرة إرسال قوات حفظ السلام من أجل حماية سكان دارفور. والواقع أن ثمة العديد من الأسئلة التافهة حول الموضوع، لكن ثمة سؤالاً واحداً هو الذي يهم فعلاً، ألا وهو: ألا تقع علينا جميعاً مسؤوليةُ حماية بعضنا بعضاً؟ إيرين مازورسكي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المديرة التنفيذية لجمعية "ستاند" المناهضة لجرائم الإبادة الجماعية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"