صحيفة "الاتحاد" التي تحتضن صفحاتها مقالاتنا وأفكارنا كرَّمتنا بدعوتنا إلى يوم عمل طويل كزملاء وكُتـّاب وجهات نظر مختلفة. وكان موضوع "المنتدى" قراءة السياسة الإيرانية في المنطقة واحتمالات المواجهة الأميركية– الإيرانية، وما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات. ليس خافياً على أحد أننا كُتّاب ننتمي إلى مدارس سياسية وفكرية مختلفة. ولكل منا اختصاصه ومجال عمله. وهذا وجه من وجوه أهمية "المنتدى". إذ أننا استمعنا إلى قراءات كثيرة متنوعة، وإلى تعقيبات وتعليقات وملاحظات عليها كانت كلها قيـّمة ويمكن أن تشكل إذا ما درست بعناية وجمعت في قالب تحليلي مشروعاً سياسياً متكاملاً للتعامل مع احتمالات المرحلة المقبلة. وفي هذا السياق، ليس خافياً على أحد القلق من السياسة الإيرانية وتمددها في المنطقة، ومن الحسابات الإيرانية التي تحيط بإيران نفسها وتمتد إلى ما هو أبعد منها لتصل إلى فلسطين ولبنان مروراً بسوريا، إضافة إلى شبكة العلاقات الدولية التي تقيمها، وسعيها للعب على التناقضات هنا وهناك خصوصاً في مواجهتها مع الإدارة الأميركية. وما أريد الإشارة إليه هنا، وأنا لا أنقل وقائع "المنتدى" كلها بطبيعة الحال، هو أمران أساسيان: 1- أهمية البحث العلمي والموضوعي والدراسات التي تنطلق من معطيات ومعلومات وقراءات، لا تغفل عنصراً من عناصر التأثير لسبب عاطفي أو بسبب مرض يعاني منه قادة كثيرون، وهو أنهم لا يريدون الاستماع إلى حقائق، قد تكون مؤلمة وتدعو إلى التغيير، أو بسب جنوح كثيرين نحو تحليل التمنيات. أي أن نذهب بما لدينا من معلومات سواء كانت كثيرة أم قليلة، مهمة أم عادية، فنجمعها ونربطها في تحليل يرضي تمنياتنا، ولا يعكس واقعنا، فينتهي بنا الأمر إلى خيبات. لذلك فإن أهمية "المنتدى" فكراً وحضوراً، تكمن في المعلومات التي قدمت وفي الحوار حولها بكل صراحة وروح منفتحة على تقبل أفكار الآخر، والعمل على الاستفادة منها. وأنا أعترف هنا بأنني استفدت من أفكار وملاحظات ومعلومات كثيرة قدمها زملاؤنا في "المنتدى". منها ما عزز قناعاتي المبدئية وحصـّن موقفي ومنها ما جعلني أذهب إلى مزيد من البحث في مسألة ترابط بعض العناوين والمسائل والقضايا لاستكمال تحليل أو إبداء رأي. ومع ذلك أقول وفي خلاصة النقاش إنه لا يزال أمامي الكثير من الجهد، الذي لابد من بذله لاستكمال معطيات أخرى وتقديم تحليل أكثر تماسكاً في بعض الأمور. كذلك، فإن التشاور وتفاعل الأفكار يؤدي إلى تكوين برامج ورؤى نحن في أمس الحاجة إليها في منطقتنا في مواجهة الأخطار التي دفعت بـ"الاتحاد" إلى تنظيم "المنتدى" للبحث فيها. لقد كان اللقاء مميزاً، مفيداً، مثمراً، وأعتقد أنه ينبغي تكراره وفي مناسبات مختلفة تتناول قضايا مهمة مع التأكيد على ضرورة فرز كل المعلومات والملاحظات وجمعها، بما يتناسب مع المواضيع المطروحة للوصول إلى خلاصات بشأنها. فهذا النوع من العمل هو الأساس في تكوين توجهات وقرارات قادة ومؤسسات رسمية في دول كبرى. فقد تناولت مرة مسألة اتخاذ القرار السياسي في مقالة كتبتها في صفحات "وجهات نظر" انطلاقاً من أسئلة كانت تنهال عليَّ من داخلي، وأنا أفكر بأخطاء ارتكبتها إدارات دول كبرى، وقع فيها رؤساء وقادة، وتركت آثارها على مجريات أحداث سياسية تاريخية في العالم. وفي سياق المتابعة للوصول إلى معرفة كيفية صناعة القرار السياسي، والاطلاع على ما يستند عليه القادة من دراسات وأبحاث يعتبرها أكاديميون وعلماء، قلت: إن هؤلاء جميعاً هم بشر مثلنا. سواء أكانوا باحثين أم قادة يستندون على آراء الباحثين ونظرياتهم وأفكارهم ومشاريعهم واقتراحاتهم وخططهم. وبالتالي هم معرضون للصواب والخطأ. لكنهم يدرسون ملفاتهم، ربما تميز البعض منهم بالعقل الشيطاني، أي، يقال عن فلان إنه ذكي أو لامع أو ذو عقل خارق ومميز، ولكنه يستخدم كل ذلك للسوء والتخريب والدمار ولا يعمم إلا الشر والكراهية والحقد ولا يدعو إلا إلى القوة والحروب. هذا نوع من العنصرية الخطيرة المدمرة. وثمة قادة أو مسؤولون أقل ذكاء وقدرة على التحليل والمعرفة ولكنهم أكثر دقة وحرصاً وتواضعاً واحتراماً للذات وللآخر، وبالتالي يستعينون بأمثالهم فيتجنبون كوارث ويجنبون بلادهم خسائر كبيرة. قد لا ينجحون في كل شيء. وقد لا يحققون أشياء كثيرة أو نجاحات كبيرة، لكنهم بالتأكيد أفضل من الفريق الأول. وثمة من يتميز بالخفة والجهل والغباء، ويصل في غفلة من الزمن إلى موقع القيادة -والأمثلة كثيرة من الولايات المتحدة إلى غيرها من الدول- ويتصرف بعنجهية فلا يستمع لأحد ولا يأخذ بنصيحة أحد سواء أكان شريكاً أم حليفاً – نظرياً – أم معتدلاً... ما أريد قوله هنا وبعد "منتدى الاتحاد"، أننا في وضع خطير استثنائي. لا يمكن أن نقف في الخطر خائفين فقط. حذرين. مذعورين. أو أن نشخص الخطر فقط وننكفئ أمامه. لابد من تشخيص صحيح للحالة، لنتمكن من تشخيص صحيح للحل. لا أدعي أننا فعلنا ذلك في "المنتدى"، وعلى مدى يوم واحد، لكنني أقول إننا خطونا خطوة، وأسسنا لتجربة، أتمنى أن تتكرر، وأن تزداد غنى، وأن تنظم أكثر، وقد ناقشت هذه الأفكار مع الزملاء المشرفين على يومها الأول في المسيرة الطويلة. وأتمنى أن يكون تفاعل بيننا لبلورة صيغ وآليات جديدة توصلنا إلى الهدف المنشود. 2- لقد كان ثمة شبه إجماع على تأكيد مخاطر التحولات الكبيرة في المسار السياسي في المنطقة عموماً وفي منطقة الخليج خصوصاً، وفي السياسة الإيرانية تحديداً. مع تنوع في الأفكار والقراءات لكن الموضوع فرض نفسه. فإيران دولة كبرى ولاعب مهم وقضية القضايا اليوم على مستوى أوروبا وأميركا وروسيا والصين وتقاطع أو تعارض المصالح بين هذه الدول، كما أن امتداداتها في اتجاه العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وما يمكن أن يحدث في دول الخليج العربي، انعكاساً لمفاعلها النووي أو لأفعالها السياسية أو الأمنية، لها أثر كبير. ولكن ثمة إجماعاً تقريباً على أمرين: مسؤولية العرب في عدم المبادرة والحضور. والموقف من أميركا التي لا تحترم شريكاً أو حليفاً، ولا تتمتع بمصداقية بل تشكل خطراً واضحاً ودائماً. إن خاصمت، فهي خطر على الخصم والحليف في آن. فالخصم يدمر والحليف يدفع الثمن! نعم، ثمة أزمة في صياغة قراراتنا وتوجهاتنا وبناء حساباتنا ومؤسساتنا، وثمة أزمة ثقة عميقة مع أميركا، وأعتقد أن هذين العاملين مهمان جداً للبدء في مقاربة قضايا المنطقة مقاربة موضوعية، انطلاقاً من ضرورة حضورنا العربي الموحد والحفاظ على الحد الأدنى من تماسكنا واتحادنا أو تضامننا. لن أقول أكثر من ذلك اليوم. بل أشكر صحيفة "الاتحاد" لتنظيمها هذا المنتدى متمنياً على الأقل أنه إذا لم تنجح منتديات القادة، وإذا لم يتحد كل القادة، فلنعمل على إنجاح "منتدى" الأفكار والحوار بين الكتـّاب والمثقفين والعلماء والباحثين علـّنا في ذلك نساهم في تقديم شيء لمن يريد أن يكون جدياً وعملياً ومبادراً من قادتنا!