العلاج بالأوزون بين الحقائق والإدعاءات
شهدت السنوات القليلة الماضية تزايداً هائلاً في عدد ممارسي الطب البديل (Alternative Medicine)، ترافق بتزايد مماثل في أنواع وأساليب العلاج التي يستخدمها هؤلاء. من أساليب العلاج تلك، والتي أصبحت مؤخراً تلقى اهتماماً واسعاً من قبل العامة، ما يعرف بالعلاج بالأوزون (Ozone Therapy). والأوزون هو غاز طبيعي، يتكون من ثلاث ذرات من الأوكسجين، ويتواجد بشكل خاص في طبقات الجو العليا، حيث يوفر حماية من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. ورغم هذه الفائدة الطبيعية للأوزون، وما ينتج عنها من وقاية ضد سرطان الجلد، فإن التركيزات المرتفعة من الأوزون يمكنها أن تؤذي وظائف الرئة، وأن تسبب تهيُّجاً في الجهاز التنفسي. فمثلاً، تشير تقديرات وكالة حماية البيئة الأميركية (Environmental Protection Agency)، إلى أن ما بين 10 إلى 20 في المئة من متاعب الجهاز التنفسي في الجزء الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة أثناء فترة الصيف، هي من جراء ارتفاع معدلات الأوزون في الجو. هذا التأثير السلبي للأوزون، دفع منظمة الصحة العالمية لتصنيف التركيزات المرتفعة من الأوزون في طبقات الجو السفلى، على أنها ضمن الملوثات الهوائية واسعة الانتشار. والمفارقة أن الثورة الصناعية التي شهدها الإنسان في القرون الأخيرة، أدت إلى انخفاض تركيزات الأوزون في الطبقات العليا من الجو، حيث يؤدي الأوزون وظيفته الوقائية الأساسية. وفي الوقت ذاته، أدت هذه الثورة إلى زيادة تركيز الأوزون في طبقات الجو السفلي، حيث تتضح آثاره الصحية السلبية على الجهاز التنفسي. ورغم أن محركات السيارات وأماكن الأنشطة الصناعية المكثفة لا تنتج غاز الأوزون مباشرة، فإن مركبات الهيدروكربون وغاز أوكسيد النيتروجين الناجمة عن تشغيل المحركات والمصانع، يتفاعلان مع أشعة الشمس لإنتاج الأوزون، سواء على مقربة من المصانع والمدن، أو على بعد عدة كيلومترات من المصدر الأساسي.
ومنذ اكتشاف العلماء الألمان للأوزون عام 1840، تمتع هذا الغاز باهتمام بالغ على صعيد احتمالات استخدامه في المجالات الطبية، إلى درجة أنه توجد حالياً مزاعم وادعاءات، بفوائد استخدام الأوزون في أكثر من 120 حالة طبية ومرض عضال. هذه الأمراض تتنوع لتشمل "الأنيميا"، وسرطان المعدة، والالتهاب الرئوي، وحتى ارتفاع الكولستيرول والتهاب الجيوب الأنفية. والأغرب من ذلك، هو تعدد الطرق والوسائل التي يتم بها إدخال الأوزون إلى الجسم. إحدى تلك الوسائل أو الأساليب، تعرف "بالأوتو-هيمو-ثربي" (Autohemotherapy) أو العلاج الدموي الذاتي، ويتم فيه سحب كمية من الدم من الجسم، ثم تعريضها لغاز الأوزون، ثم إعادة حقنها مرة أخرى في الجسم. وفي الأسلوب الثاني، يتم حقن الأوزون مباشرة في الدم. أما الأسلوب الثالث، فيعتمد على ضخ الأوزون في تجويف الجسد الداخلي، وأحياناً حتى من خلال الأذن. وفي الأسلوب الرابع، يتم تشبيع الماء بالأوزون، كي يتجرَّعه المريض، أو ليتم حقنه مباشرة في المفاصل كوسيلة لعلاج التهابات المفاصل. وفي بعض الأحيان، يستخدم كوب مخصوص، لتركيز الأوزون على موقع محدد في الجسم بشكل موضعي. وهناك أيضاً "سونا الأوزون" و "دش الأوزون"، حيث يتم في هذه الحالات لف جزء من جسم المريض، أو جسمه كله، في رداء خاص، يوصل بأنبوبة الأوزون، لغمر العضو أو الجسم كله في حمام من الأوزون.
وتشير بعض المصادر (غير الموثقة)، إلى أن العلاج بالأوزون مرخص له في ست عشرة دولة، مثل كوبا، وبلغاريا، وجمهورية التشيك، وفرنسا، وألمانيا، وإسرائيل، وإيطاليا، والمكسيك، ورومانيا، وروسيا. وفي دولة الإمارات، نشرت الجرائد المحلية في أبريل من العام الماضي خبراً، نص على: "منحت وزارة الصحة أول ترخيص لطبيب يقوم بالعلاج باستخدام غاز الأوزون -الأوكسجين النشط- لمزاولة المهنة داخل الدولة في القطاع الخاص، واشترطت بأن تكون وحدات العلاج في المستشفيات وليس كوحدة مستقلة، ولاسيما في المرحلة الأولى لممارسة هذا النوع من الطب داخل الدولة". وتشير المصادر السابقة (غير الموثقة)، إلى أن العلاج بالأوزون مرخص له في اثنتي عشرة ولاية أميركية. هذا على الرغم من أنه في بداية أبريل من العام الماضي، أصدرت هيئة الرقابة على الأغذية والعقاقير الأميركية (FDA) تشريعاً فيدرالياً (Title 21, Volume 8)، كتب فيه بالنص الحرفي "الأوزون غاز سام، ليست له أية تطبيقات طبية في العلاج المحدد أو المساعد أو الوقائي. كي يصبح الأوزون قادراً على قتل الجراثيم، فلابد أن يكون موجوداً في تركيزات أعلى من أن تحتمل بأمان من قبل الإنسان أو الحيوان". ويستطرد التشريع السابق في الحديث عن مخاطر العلاج بالأوزون، وعن تأثيراته الصحية السلبية. وحسب بعض المراجع الأخرى، يعتبر العلاج بالأوزون في الولايات المتحدة فعلاً غير قانوني، ينظر إليه الكثير من الأطباء والمختصين على أنه نوع من النصْب الطبي. ويتأتى هذا الموقف نتيجة عدم وجود دراسات علمية، منظمة ومنفذة بشكل جيد، للتحقق من الادعاءات والمزاعم التي يطلقها ممارسو العلاج بالأوزون عن فوائده الطبية. حيث تعتمد غالبية هذه المزاعم على ما يعرف في الطب بالأدلة القصصية (Anecdotal Evidence)، وهي الأدلة المستنبطة من قصص المرضى وحكايات المجالس والمقاهي، دون وجود قدر كافٍ من الفحص والتمحيص والتدقيق العلمي، مثل الذي تخضع له أساليب العلاج الأخرى. هذا بالإضافة إلى أن وسائل العلاج بالأوزون، سواء بالحقن أو الشفط أو الضخ أو الغمْر، تحمل معها جميعاً مخاطر خاصة، وهي المخاطر التي يتعرض لها المريض، دون وجود دليل موثق على قدرة الأوزون على تحقيق أية فوائد فعلية.
د. أكمل عبد الحكيم