انتهى شهر رمضان بكل معانيه الروحانية وسلوكياته الإيمانية الجميلة ونحن معنيون، كمسلمين، بترجمة قيمه ومبادئه السامية، والتسامي والتغاضي عن الكثير من الأحقاد والضغائن، ونشر قيم التآلف وكل ما يوحد بني البشر، ويبقى التحدي في كيفية تحويل هذه الكلمات الجميلة إلى سلوكيات وأفعال. وليس هناك أجمل من مشاهدة الناس وهو يحتفلون بأعيادهم وبمناسباتهم الجميلة، وبشكل خاص في العالم الإسلامي والعربي، حيث تعتبر الأيام الجميلة والأخبار السعيدة، حدثاً نادراً في منطقة لا تصدر منها غالباً، سوى أخبار القتل والاغتيالات وأعمال العنف. أجمل ما في أعياد المسلمين، أنك تعيش فرحة جماعية؛ فكل مسلمي العالم يحتفلون في هذا اليوم؛ وبهذا يعلمنا الدين الإسلامي كيف يمكن أن يعم العالم الفرح. ونحن نعيش هذه الأيام فرحة عيد الفطر المبارك، الذي هو جزء متمم ومكمل لفرحة شهر رمضان الذي غادرنا قبل يومين. والعيد حالة فرح بإعطاء شهر رمضان قيمته الحقيقية أو نسبة منها على الأقل. والعيد إذا كان بالنسبة للصغار يبقى محصوراً في أمور ظاهرية وشكلية؛ مثل الملابس والألعاب والشراء؛ بحكم الاهتمام وبحكم نقائهم وبراءتهم، فإنه بالنسبة للكبار، هو فرصة لتنقية النفوس وفرصة للتواصل في العلاقات الاجتماعية لإزالة ما أبقته ترسبات الأيام. وهو دعوة للتصافي والتسامح، وخاصة أن سمة العيد الأساسية هي العمل على جمع الأهل والأحباب والأصحاب على بساط واحد، فالعيد يجمع القلوب قبل الأبدان. فرحة العيد لدى البعض- وهم قلة- تتجاوز معناها الحقيقي، إلى محاولة وأدها والتضييق على مشاعر الناس، بعضهم بحسن نية، وبعضهم عن عمد. وبدلاً من أن يكون العيد فرصة للفرحة، يجعلونه موسماً لفتح الجراح والنبش في الذكريات المؤلمة والنواح على مآسي المسلمين وتعداد مصائبهم وأحزانهم. فيذكرونك بمصائب المسلمين والعرب ويتناسون أن هذه أيام للفرحة. وهناك اتهام، أنا أتفق معه كثيراً، بأن المسلمين لا يعرفون الفرح أو على الأقل، التعبير عنه، بل إن تراثهم الأدبي الإبداعي مليء بالدعوات إلى الحزن والبكاء على الأطلال وفراق الأحبة وغدر الأيام، وكأن الدنيا كلها نكد وغم! ربما هذا لكثرة جراحهم، بل إنهم يخافون إن ضحكوا كثيراً ولو كان ذلك الضحك، باعتباره تعبيراً عن الفرح، في يوم عيد. هذه الأيام فرصة لممارسة بعض الطقوس والمظاهر الترفيهية. والأولى بنا، نحن المسلمين والعرب، الأخذ بأسباب الفرح؛ فمن الناحية الدينية فقد شرعها المولى عزل وجل، ومن الناحية الدنيوية هناك الكثير من المنغصات التي تحتاج إلى إعادة شحن مخزون الطاقات البشرية كي ننساها. والعيد، فرصة لكسر رتابة الأيام النمطية بموضوعاتها وقضاياها التي تتكرر على العالم الإسلامي، والتي لا تخرج عن عمليات قتل واحتلال وتفجير، حتى بات الأمر كله مللا. فيفترض منا استغلال أيام العيد، لأنها تعيد لنا البهجة في النفوس وتعمل على تعديل "المزاج" وتجدد عزيمة النفس وترفع همتها، فهل نفعل ذلك خلال هذه الأيام ونهرب مع الأهل والأقارب، وليس كما يفعل البعض من الآباء يهرب بنفسه، من الحياة المليئة بالمشاكل والهموم، التي تحاصر الجميع سواء في دائرة الاهتمامات الفردية الضيقة أو عبر دائرة أوسع في الفضائيات والجغرافيا السياسية. لن يكون علاج مشاكلنا بالوجوم والحزن، حتى إذا قتلنا كل أفراحنا ولبسنا سواد كل أيام السنة. وإنما بالشجاعة وبالقوة والفرح، لذا علينا أن نجعل من هذا العيد فرصة لتدفق الأمل في قلوب المسلمين، التي ملت من فرط الإلحاح على معنى واحد هو الحزن أو على الأقل اليأس طوال العام. العيد نعمة أنعمها الله على عباده وعلينا أن نجتهد خلاله بممارسة جميع أمورنا الحياتية بروح مغايرة وأن تكون تحركاتنا هادفة إلى تعزيز التواصل الاجتماعي الحقيقي ولنتخلى قليلاً عن "الماسجات" الجاهزة في تبادل التهاني ونتزاور ونعيد إحياء عادات الماضي الجميل. والأهم من ذلك، أنه لا يكفي أن نبارك لبعضنا بالمناسبة الجميلة دون أن نزيل الأحقاد في قلوبنا. فالدين الإسلامي دين تسامح، هذه رسالتنا إلى العالم. لذا، يجب أن تتعانق القلوب والأرواح قبل تلاقي الرؤوس بالقبل. هذه دعوة إماراتية، خلال أيام العيد، لكل مسلمي العالم... هي دعوة بسيطة ولكنها مفعمة بمعاني إنسانية عميقة. ومني أعزائي القراء مباركة بحلول العيد ودعوة للفرح. "ومباركن عيدكم".