في اليوم التالي لإعلان قوائم الهيئات الانتخابية للمجلس الوطني الاتحادي الأسبوع الماضي، حضرت إحدى الندوات العامة، وأعتقد أنها الوحيدة حتى الآن التي عقدت حول هذا الموضوع، خارج نطاق النقاشات الدائرة في المجالس الرمضانية حول الحراك السياسي للانتخابات. وفي هذه الندوة، استضاف "اتحاد كتاب الإمارات" بالمسرح الوطني، أكاديميين ومثقفين إماراتيين فضلاً عن عدد من المهتمين بمستقبل العملية الانتخابية في الدولة من العرب والأجانب، أي أنها بلغة الانتخابات، شريحة ممثلة للمجتمع، بمواطنيه ووافديه، لتقديم قراءاتهم لقوائم الهيئات الانتخابية السبع. وبدون مبالغة، فبالجرد السريع لما جاء في تلك المحاضرة يشعر المتابع للحراك الإعلامي في الإمارات بأن هناك غصة تخنق بعض المثقفين لأن القائمة لم تشتمل على أسمائهم أو أنها تجاوزتهم لسبب أو بلا سبب. وقد كانت هذه "الغصة" هي سمة واضحة في وجه بعض المشاركين في الندوة أيضاً، كما هو الحال في العديد من مقالات الرأي التي تلت إعلان القائمة. وشغلت قضية غياب أسماء بعض المثقفين المعروفين باهتمامهم بالإصلاح السياسي في الدولة، من خلال كتاباتهم ومناقشاتهم في وسائل الإعلام، المحاضرين والحاضرين على حد سواء. ومثلت، جزءا مهما من نقاشات الحضور في الندوة، مستوضحين أسباب ومعايير الاختيار بل إنها فتحت باباً لإطالة النقاش. الممتع في الأمر، أن النقاش غلب عليه الطابع الإماراتي، سواءً المحاضرين أو المشاركين في التعقيب والأسئلة، واكتفى الأجانب، عن عمد، بمراقبة هذا الحراك الجديد في دولة الإمارات، لأنهم ليسوا مخولين حق التأييد أو المعارضة لما تم وباعتبار أنها قضية إماراتية صرفة، حتى الأخوة الخليجيين الحاضرين لم يتدخلوا في النقاشات. وفي حين ركزت بعض وجهات النظر على أهمية تواجد المثقفين في القوائم الانتخابية، خاصة وأن المجلس القادم هو الذي سيضع الأساس ويرسم شكل الحياة البرلمانية في المستقبل، وأن إبعاد بعض المثقفين المعروفين، والذي بدا للبعض وكأنه مقصود، قد يؤثر على نتائج العملية الانتخابية. بل وتكهن البعض بأن غياب بعض الشخصيات النسائية المعروفة على الساحة الأكاديمية والثقافية، سيؤثر في وجود العنصر النسائي ضمن تركيبة المجلس الاتحادي المقبل، مستندين إلى أن وجودهن كان سيدعم فرص المرشحات المواطنات، وهي الفرص التي قد لا تكون أفضل حالا مما هي عليه في تجارب دول الجوار الخليجية. أما أصحاب وجهة النظر الثانية فكانوا أكثر تفاؤلاً، إذ انطلاقا من القائمة نفسها، يتضح أنها كانت ممثلة لكافة شرائح مجتمع الإمارات، فكان فيها الجد والأب والابن ورجل الأعمال والطالب وربة البيت، واعتبرت هذه القراءة أن التجربة الإماراتية هي "بروفة" كاملة الأركان، وأن المطلوب فقط هو إخراجها بطريقة لائقة ومناسبة، خاصة أن هناك من يراقب هذه التجربة، من الداخل والخارج. بالنسبة لي، لا أريد أن أؤيد أياً من القراءتين نهائياً أو أن أسقط أسانيد إحداهما. غير أن بعض الناس في الإمارات يعترفون، ضمناً أو علناً، بأنه ليس من المنطق أن تكون القائمة كلها من المثقفين، وإلا لن تمثل المجتمع بشكل دقيق، فلا بد أن تشمل القوائم كافة شرائح المجتمع والتركيز على طبقات المجتمع كافة باعتبار أن قبة البرلمان هي المكان المناسب لإسهام جميع هذه الشرائح في خدمة المجتمع، بعكس المثقف الذي يمكن أن يلعب دوره من خارج قبة البرلمان، ربما بدرجة أكبر من داخله. وإذا اتفقنا على أن خدمة الوطن هي الهدف الذي يسعى إليه الجميع، فإن المثقف يمتلك خيارات عدة لتحقيق هذا الهدف والتعبير عن قناعاته، ولكن ذلك لا يعني بالطبع حرمان المثقفين من حقوقهم السياسية. أهدف في النهاية إلى القول بأن غياب بعض المثقفين عن القوائم الانتخابية لا يعني تهميشاً لهم، بقدر ما يعني فسح المجال لتمثيل كافة شرائح المجتمع، وإلى القول أيضاً بأنه من الصعب تجميع ممثلي كل الفئات والمهن في قائمة واحدة.