في مجلس من مجالس هذا الشهر الكريم، استمع صاحب المجلس بكل اهتمام لتفاصيل هذه التجربة الجديدة، تجربة يريدها لوطنه وعلى مقاس الإمارات، ويريدها بعيدة عن سلبيات يراها حوله، استقطابات جاءت على حساب الأوطان والانتماء إليها، وعلى حساب مسيرة التنمية فيها. آراء واضحة صلبة من رجل عركته الحياة، رجل طموح حريص يدرك أن الإنسان الناجح لا بد وأن يتحرك إلى الأمام، ولا يمكن له أن يقف في مكانه، فما بالك بالأوطان التي يتجدد شبابها من خلال تغيرات ديموغرافية سنوية، ولكن، وبالمقابل يجب أن تكون حركة الإنسان والوطن متزنة ومدروسة. استمع مضيفي لتفاصيل العملية الانتخابية في المرحلة الانتقالية وناقش بعض جوانبها، بعض النقاط كان قد قرأ عنها في متابعته للأخبار اليومية وبعضها جديد في بلد يشهد تجربته الانتخابية الأولى، واستخلص محدثي أن ما نحن مقدمون عليه إيجابي ومهم وضروري لموقعنا بين الدول، كما أنه جزء من التخطيط للمرحلة القادمة وتطوير لمنهج تعودناه ونعيشه في حياتنا اليومية، نهجاً يرى العلاقة بين الحاكم والمواطن شراكة لمصلحة الوطن، وأضاف تشبيهاً دقيقاً، بأننا كمن هو أمام سلم لا بد لمن يرتقيه أن يبدأ بالخطوة الأولى وأن يدرك مقصده، ولا يمكن لمن يريد أن يصل وأن يحافظ على توازنه أن يقفز فوق الدرجات قفزاً. أعجبني هذا التشبيه من هذا الرجل المحافظ والمجرب، فنحن بحق أمام الخطوة الأولى في مسيرة تحديث ومشاركة سياسية تهدف إلى تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي، خطوة نريد لها أن تأتي بصورة منهجية ومتطورة وشفافة، وأن نتدرج في تجربة إماراتية ترسخ الانتماء لهذا الوطن وتعزز إنجازاته وسمعته الطيبة في محيطه العربي والمحيط الدولي الأكثر اتساعاً. فنحن، ومن خلال سجل زاخر بالانجازات، لدينا الكثير الذي نحرص عليه، فواقع النجاح هو هكذا، فمن ينجز وينجح يحرص على حماية وحفظ المكتسبات، حرصاً على استمرار النجاح والاستقرار وتماسك المجتمع، وفوق هذا وذاك حرصاً على أن يتأصل الشعور بالانتماء الوطني في مناخ إقليمي نراه حولنا يفرق ولا يوحد ويؤكد جوانب الاختلاف ويتعامى عما يجمع. نعم، التدرج ضروري في هذه المرحلة وفي المراحل القادمة من مسيرة تحديث المشاركة السياسية، لأنه مطلب إماراتي يجمع بين الرغبة في التحديث السياسي من جهة وبين أن يكون هذا التحديث مدروساً وحكيماً يدعم مسيرة التنمية في الدولة من خلال تعزيز مساهمة ومشاركة أبنائها وبعيداً عن المزايدات التي تسعى إلى التحرك السريع لمجرد التحرك السريع بعيداً عن متطلبات واحتياجات دولة الإمارات. ولأنها الخطوة الأولى، هناك الكثير من العمل في بلد يزخر بعطاء قادته وأبنائه، بلد ينتشر فيه الوعي والتعليم والتواصل مع العالم، فخلق ثقافة مشاركة مهمة سهلة وصعبة في الآن ذاته، فمن جهة نجد أن المشاركة في صلب القيم الإيجابية لمجتمع كمجتمع الإمارات يتميز بالعلاقات القريبة بل والحميمة بين العديد من شرائحه، مجتمع لا يقوم أساسه على طبقية مقيتة وتتعدد فيه قنوات الاتصال بين الحاكم والمحكوم، مجتمع يعلي من قدر الشورى ويثمن الرأي ويجتمع على خير الوطن، ويتواصل مع العالم المحيط ويدرك أهمية المؤسسات في حياة الأمم والشعوب. ومن خلال هذا الواقع نرصد تقبلاً وتحمساً لبرنامج صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وفي المقابل نسعى لتأسيس ثقافة انتخابية صحيحة، تثري تجربتنا الوطنية وترعى خصوصيتها في مراحل التأسيس، لتنطلق متى ما اشتد عودها إلى آفاق أرحب، مدركين أنها ستضع الوطن وأهدافه السامية فوق كل هدف آخر، فمن المهم والحيوي أن تعزز تجربة المشاركة لثقافة تعلي الانتماء للوطن فوق كل انتماء آخر أصغر وأضيق، وأضيف أن ما نصبو إليه هو تطور نوعي طبيعي يساهم في تحديث المشاركة السياسية. ولا شك أن رصيد نجاح كل مرحلة سيعزز من فرص رصيد المرحلة التي تليها، فالنجاح يولد النجاح، قاعدة أزلية ندركها جميعاً، وعلينا في تخطيطنا وتنفيذنا أن نكون حريصين على أن نتبعها. نجاح المرحلة الأولى إذاً سيمهد الطريق إلى المرحلة الثانية والتي تتمحور حول تعزيز عمل المجلس الوطني الاتحادي وزيادة صلاحياته، وهذه المرحلة ستتطلب مجموعة من التعديلات الدستورية تساهم في وضع تصوراتها السلطة التنفيذية بأجهزتها المختلفة والمجلس الوطني القادم، وتليها المرحلة الثالثة والتي تقودنا إلى انتخابات عامة من خلال قانون انتخابي واضح الملامح. ففي هذا التدرج نجد أن النجاح في المرحلة يسرع المرحلة التي تليها، وأهم من ذلك أنه يخلق الأرضية السياسية الملائمة لانجاز المزيد لما فيه خير الوطن والمواطن. الهيئات الانتخابية، مرحلة ضرورية لا بد منها للتأسيس الصحيح للمراحل القادمة، ونسعى في هذه المرحلة إلى وضع أسس وآليات وأطر مهمة لتطوير التجربة مستقبلاً، واستند التخطيط على هذا الأساس واعتمد على وضع التصورات والتفاصيل لخلق تجربة تتميز بالمصداقية وتؤسس لما هو تالٍ، وقد يرى البعض أن في التصور الحالي بعض المبالغة نسبة لحجم الهيئات الانتخابية، ولكن عملنا اليوم يؤسس ويرسي قواعد انتخابية وإدارية مهمة للمستقبل، ويعطي هذه التجربة الوليدة بعداً ومصداقية وشفافية لبلد عربي عرف بالنجاح والريادة، ومن هنا جاء الإطار التنظيمي والتعليمات التنفيذية ودليل الإجراءات والجدول الزمني والتصويت الإلكتروني والتواصل الإعلامي، وهي الجوانب التي ستتضح معالمها للجمهور في الأيام القليلة القادمة، فما يشكل عمل المرحلة الأولى يؤسس أيضاً للقادم، ولا يساورنا أدنى شك أن القادم سيكون أكثر تطوراً وشمولاً وازدهاراً. بوركت الإمارات في أيام التأسيس الصعبة بزعيم مؤسس تخطى طموحه جغرافياً هذا البلد الحديث الاستقلال، طري العود، وأصبح طموح المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حقيقة معاشة لا ترضى الإمارات بما هو أقل منه، ومن هذه البدايات الخيرة انطلقت قيادتنا الحكيمة، المتمثلة في صاحب السمو رئيس الدولة وصاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، مدركة أن سر النجاح لا يكمن عند مجرد الرضا به والتوقف عنده، بل في حركة دؤوبة ومتزنة مؤشر سيرها استقرار هذه الأرض وخير هذا الوطن وأبنائه. ومن خلال هذه المرحلة الأولى نسعى بإذن الله تعالى، إلى استكمال الخطوات الثلاث لبرنامج صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، لتفعيل المشاركة السياسية، ونطمح أن يكون الأداء بحجم التوقعات، ونسأله جل وعلا، التوفيق في هذا الشهر الفضيل.