بصفته مندوبا أميركيا خاصا، يقوم السيد جيمس بيكر بجولة آسيوية خاصة لكل من الصين واليابان للتفاوض مع قادة البلدين حول استراتيجيتهما إزاء خفض الديون الرسمية العراقية. وبذلك تكون أميركا قد أدركت أن الوقت قد حان لتعترف بأن مركز الجاذبية الاقتصادية قد انتقل بعيدا عن القارة الأوروبية. ففي الوقت الذي تحتفظ فيه العلاقات والتحالفات الأطلسية بأهميتها، يكتسب الحلفاء الأميركيون في آسيا أهمية متعاظمة بوصفهم لاعبين لا يمكن تجاهلهم في البحث عن الاستقرار العالمي. وبسبب العلاقات التاريخية الأطلسية، فضلا عن صلات القربى التي تربط بين غالبية المواطنين الأميركيين والأوروبيين، فقد ظلت السياسات الخارجية الأميركية تعكس على الدوام، ميلا خاصا للمركزية الأوروبية. وهذا ما تعكسه الصدوع والخلافات الحادة التي نشأت بين كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا عشية إعلان الحرب على العراق.
غير أن ذلك النزاع طغى عمليا على حقيقة أن دولا أوروبية عديدة قد انضمت إلى تحالف الحرب وأعلنت مساندتها للولايات المتحدة الأميركية. فإلى جانب الاثني عشر ألف جندي الذين ساهمت بهم بريطانيا في عملية غزو العراق، أسهمت دول أوروبية أخرى في دعم قوات التحالف الدولي، منها إستونيا، المجر، لاتفيا، بولندا، رومانيا،سلوفاكيا وأوكرانيا. أما الدعم اللوجستي للحرب فقد أسهمت به كل من إيطاليا، هولندا، النرويج، والبرتغال. وفي الوقت الذي انهالت فيه انتقادات الكتاب الصحفيين والسياسيين على إدارة بوش، جراء عدم مراعاتها الحساسية الخاصة للعلاقات الأطلسية التي تربط ما بين واشنطن وبرلين وباريس في تلك الحرب، كانت دول آسيوية عديدة تحث الخطى باتجاه لعب دورها في هذا المسرح الدولي، بمعطياته ومتغيراته الجديدة.
نشير هنا تحديدا للدعم الواضح الذي قدمته كل من حكومتي اليابان وكوريا الجنوبية للسياسات الأميركية تجاه العراق. وفي سبيل الترجمة العملية لذلك الدعم، فقد أرسلت الدولتان فصائل عسكرية وعتادا حربيا أسهمتا بهما في الحرب الأخيرة على العراق. كما تعهدت اليابان بأن يكون لها دور نشط وفاعل خلال عضويتها في نادي باريس، وهو مجموعة غير رسمية لمانحين رسميين يعكفون على دراسة الكيفية والسبل المؤدية لخفض المديونية العراقية، قبل أن تبدأ جولة المندوب الأميركي الخاص التي قام بها الأسبوع الماضي. وفي بادرة تعاون منها في هذا المجال، أعربت اليابان عن اعتزامها التنازل عن ثلثي مبلغ الأربعة مليارات دولار التي يدين بها العراق لليابان. علاوة على ذلك أعربت طوكيو عن مساهمتها بمبلغ خمسة مليارات دولار في عملية إعادة إعمار العراق.
وفي حالتي اليابان وكوريا الجنوبية بصفة خاصة، فإن علينا ألا ننسى أن دعمهما يستمر للجهود الأميركية المبذولة في العراق، على رغم حقيقة أن عددا من الدبلوماسيين اليابانيين والمهندسين الكوريين قد لقوا مصرعهم خلال الخريف الحالي على أيدي فرق العصابات العراقية في هجمات متفرقة ومنفصلة عن بعضها البعض. وتواصل الدولتان ثباتهما على موقف التأييد ودعم الجهود والسياسات الأميركية المتبعة في بغداد، على رغم تصاعد الحملات والضغوط المحلية والإقليمية التي تدعو الدولتين للكف عن المزيد من توسيع ورطتيهما في العراق.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن اليابان تسهم منفردة بما يزيد على إسهام كل من ألمانيا وفرنسا على التوالي. يلاحظ أيضا أن إجمالي الناتج المحلي للدولتين الأوروبيتين مجتمعتين هو 3.7 تريليون دولار، في حين أن إجمالي الناتج المحلي لليابان منفردة يعادل 3.55 تريليون دولار، وما أكبر الفرق والمسافة بين الرقمين. وإذا ما أضفنا لذلك إجمالي الناتج المحلي لكوريا الجنوبية البالغ قدره 931 مليار دولار، فإن ذلك يعني أن اليابان وكوريا الجنوبية تشكلان قوة اقتصادية أكبر وأهم بكثير مما تمثله الدولتان الأوروبيتان من الناحية الاقتصادية. كما تتفوق الدولتان الآسيويتان ديموغرافيا على نظيرتيهما الأوروبيتين. فاليابان تتفوق بمفردها على فرنسا ذات الكثافة السكانية البالغة 60 مليون نسمة، وكذلك على ألمانيا ذات الكثافة السكانية البالغة 82 مليون نسمة. للمقارنة فإن مجموع سكان اليابان هو 127 مليون نسمة. أما في حال جمع الكثافة السكانية لكل من اليابان وكوريا الجنوبية معا، فإنهما تتفوقان دون أدنى شك على الدولتين الأوروبيتين المذكورتين في هذا الجانب.
على الصعيد الكوري الجنوبي، فقد تعهدت سيؤول بإرسال قوة احتياط إضافية للعراق مؤلفة من ثلاثة آلاف جندي، إسهاما منها في جهود إعادة الإعمار. بالطبع فإن قرارا حكوميا كهذا لا بد من أن يوافق عليه البرلمان الكوري. غير أن المسألة لن تكون أكثر من مجرد إجراء دستوري، سيما وأن الحكومة قد حصلت على إجماع سياسي من قبل، على التزاماتها تجاه السياسات الأميركية المتبعة حيال العراق. وعليه فإنه يتوقع وصول القوة الاحتياطية الجديدة للعراق بحلول شهر مارس أو أبريل من العام المقبل 2004· يذكر أن عدد أعضاء الطاقم الطبي الكوري الموجود حاليا في ال