يمثل استكمال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في العراق أول من أمس الخميس نقطة بداية لمكافأة التزام العراقيين بالديمقراطية وتعطشهم إليها. فإذا كنا قد وصلنا إلى هذه المرحلة، فبفضل بسالة جنودنا وقوات شرطتنا ومواطنينا الذين دفعوا ثمناً باهظاً في سبيل حصول العراق على حريته. ووعياً منها بهذه الحقيقة، فإن حكومة الوحدة الوطنية عاقدة العزم على الوفاء لهذه التضحيات الجسام عبر اعتماد أجندة تقوم على توفير الأمن والخدمات للشعب العراقي ومحاربة الفساد بكل أشكاله. كما تعتزم هذه الحكومة العمل على الاستفادة من الزخم الإضافي الذي نتج عن القضاء على زعيم تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين، "أبو مصعب الزرقاوي"، من أجل القضاء على الإرهاب والطائفية واستئصال شأفتهما، ومن ثم الوفاء بما قطعته الحكومة على نفسها من تعهدات أمام الشعب العراقي، الذي يتوق في عمومه إلى رؤية بلاده في النهاية دولة ديمقراطية موحدة تعيش في ازدهار واستقرار، وذلك عبر اعتماد استراتيجية تقوم على ثلاثة محاور رئيسية، سنعرض لها سريعاً فيما يلي: إننا نعتزم الاستفادة من اليد العاملة التي تزخر بها البلاد من أجل الشروع في عملية إعادة إعمار شاملة، ونعتزم إطلاق مبادرة تروم تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، وزيادة قوة الجيش والشرطة وفعاليتهما. وإذا كانت بعض مناطق البلاد تعرف هدوءاً وأمناً أكثر من غيرها، فإن ذلك لم يؤدِّ إلى زيادة الاستثمارات أو إعادة الإعمار حتى الآن. ووعياً منها بهذا الأمر، فإن حكومتنا عاقدة العزم على تصحيح هذا الخلل وتقويمه وتطوير البنيات التحتية والخدمات في المناطق الأكثر أمناً، حتى نجعل منها نموذجاً لبقية مناطق البلاد وقدوة لها تنسج على منوالها. كما أننا عازمون بالقدر نفسه من التصميم على تسخير الطاقات والمهارات الكبرى التي يتوفر عليها الشباب العراقي والاستفادة منها من أجل منح زخم أكبر لجهود إعادة البناء والإعمار في عموم البلاد. كما تنوي هذه الحكومة كذلك إطلاق مبادرة تروم تحقيق المصالحة الوطنية، التي تعد ضرورية لعلاج ورأب الانقسامات والجروح التي تسبب فيها حكم الطاغية صدام حسين وممارسات نظامه الديكتاتوري، وساهم الإرهاب في تكريسها وتعميقها أيضاً. ذلك أنه من شأن هذا الأمر، إضافة إلى تعاون حقيقي بين جميع المجموعات العرقية والدينية العراقية الممثلة في حكومة الوحدة الوطنية هذه، أن يمكنا من ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم بشكل حاسم. ولما كانت العاصمة بغداد تؤوي ربع سكان العراق، وتشكل مركزه المالي والسياسي، فإن حكومة الوحدة الوطنية تنوي إطلاق مبادرة لتوفير الأمن في العاصمة ومواجهة عمليات التطهير العرقي والطائفي التي بات العديد من المناطق المحيطة بها مسرحاً لها. وفي هذا السياق، نعتزم مواجهة العصابات المسلحة والإرهابيين الذين نعتقد أنهم يمثلون أكبر تهديد للأمن في بلادنا ولمصلحتها الوطنية. إضافة إلى ذلك، نعتزم تطوير أجهزة الاستخبارات في البلاد وتعزيزها، لأنها تمثل أفضل أشكال الدفاع ضد التفجيرات والهجمات الإرهابية بكافة أشكالها. وإننا على يقين أننا سنصل قريباً إلى مرحلة الحسم في المعركة التي نخوضها ضد الإرهاب والإرهابيين في وقت تزداد فيه مصالح الأمن العراقية عدداً واستعداداً ومهارات، آخذة على عاتقها المزيد من المسؤوليات ومستلمة المزيد من المهام من القوات متعددة الجنسيات. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فمن الأهمية بمكان التحقق من أن القوات الحالية تتوفر على العدة والكفاءة اللازمتين اللتين تخولانها الاضطلاع بالمهام الأمنية الموكلة إليها، مع العمل في الوقت نفسه على تحسين برنامج التدريب وتوسيعه لجميع القوى الأمنية والدفاعية العراقية. ومن أجل توفير الحماية التي ينشدها العراقيون ويستحقونها، فمن الضروري أن نعمل على أن تظل الأسلحة حكراً على الدولة من جديد عبر وضع حد للميليشيات. وفي هذا السياق، تعتزم هذه الحكومة تطبيق القانون 91 الذي يقضي بضم المليشيات إلى قوات الأمن الوطني. وخلافاً للجهود السابقة، فإننا نعتزم القيام بذلك على نحو يتيح لنا التحقق من أن أعضاء المليشيات تم تحديدهم في البداية، على أن يتم توزيعهم تلافياً لتركز أفراد مجموعة واحدة في قسم أو وحدة معينة، ثم مراقبتهم بعد ذلك للتحقق من أنهم لا يدينون بالولاء سوى للدولة وحكم القانون وحدهما وليس لغيرهما. علاوة على ذلك، نعتزم أن نعمل إلى جانب الزعماء السياسيين للمليشيات على خلق إرادة تفكيك هذه المجموعات ذاتياً. ولئن كان الأمن يمثل العقبة الأكبر التي تعترض طريق جهود إعادة الإعمار في العراق وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والرعاية الصحية والتعليم وغيرها، فإن الفساد الإداري يساهم أيضاً في المشكلة ويعمل على نهب ثروات العراق وهدر إمكاناته وصرفها في غير مصارفها المنتظرة والمُلحة. ولذلك فنحن مصممون على محاربة الفساد بكافة أشكاله، ومن القمة إلى القاعدة، حيث ننوي العمل على تنشيط وتعزيز "لجنة النزاهة العمومية"، وهي المؤسسة الوطنية المكلفة بمراقبة الفساد ومن ثم القضاء عليه، إضافة إلى إدخال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمدنية الضرورية. ومن المرتقب أن يشمل ذلك تخفيضاً تدريجياً للمساعدات الحكومية، التي تقف حجر عثرة أمام استعادة الاقتصاد العراقي لعافيته وتغذي الفساد، وإنشاء برنامج للضمان الاجتماعي. إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي أتينا على ذكرها في هذا المقام تستنير بإيماننا القوي والعميق بالديمقراطية. ولما كانت الحرية هي جوهر النظام الديمقراطي ولبه، فإنني أؤمن إيماناً راسخاً بأنهما يجب أن يكونا متلازمين. ومن أجل تحقيق هذه المرامي والأهداف، فمن الضروري ألا يتدخل جيران العراق في مسائله الداخلية. فإذا كان بعض جيران العراق قد وفروا المأوى للكثير من العراقيين خلال الحكم الديكتاتوري للنظام البعثي، فإن ذلك لا يمنحهم بأي شكل من الأشكال الحق في التدخل في شؤون العراق الداخلية اليوم أو غض الطرف عن أنشطة الإرهابيين. لقد انتخب العراقيون حكومة وحدة وطنية ستحرص دائماً على تغليب المصالح الوطنية على حساب الأجندات الطائفية أو العرقية. كما أن هذه الحكومة عاقدة العزم على دعم الجهاز القضائي من أجل ملاحقة القتلة والخاطفين الذين يسعون لتدمير المجتمع العراقي وتقويض أمنه واستقراره. وبفضل مساعدة المجتمع الدولي والشركاء الإقليميين، فإنني على يقين من أننا سنتمكن من القضاء على المجموعات الإرهابية في العراق، وتخليص بلادنا من شرورها. إن المهمة التي تنتظرنا كبيرة وجسيمة، غير أن العراقيين أبدوا غير ما مرة صبراً ومثابرة في وجه العديد من الصعاب والتحديات. وإلى جانب حلفائنا، سنعمل دون كلل على جعل العراق تجربة ديمقراطية ناجحة في قلب منطقة الشرق الأوسط. ـــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"