منذ ستة شهور فقط، كانت المستشارة الألمانية" إنجيلا ميركل" تقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة السياسية. وقد حدث ذلك، بعد أن اضطر حزبها إلى تقاسم السلطة مع الحزب المنافس عقب حملة انتخابية مرتبكة كان الحزب متقدماً فيها على الحزب المنافس بنسبة كبيرة، وذلك قبل أن تتراجع هذه النسبة بعد أن أعرب الناخبون عن تشككهم في سياسات ميركل وافتقادها للكاريزما. كان هذا هو ما حدث في الانتخابات، أما عندما تقوم ميركل بزيارة إلى واشنطن الأسبوع القادم لالتقاء بوش، فإنه سيتم الترحيب بها هناك باعتبارها الزعيمة ذات الشعبية التي تفوق غيرها من زملائها الأوروبيين في الوقت الراهن. فنسبة التأييد التي تحصل عليها ميركل حالياً في استطلاعات الرأي تصل إلى 80 في المئة، وهو تحول حاد في نسبة التأييد مقارنة بشهر سبتمبر الماضي عندما حصل حزبها "الديمقراطي المسيحي" على 35 في المئة فقط من الأصوات في الانتخابات الوطنية.
جزئياً، يعود ارتفاع حظوظ ميركل إلى التحسن الطفيف الذي طرأ على أداء الاقتصاد الألماني، الذي كان قد تأثر بنسبة البطالة العالية التي وصلت إلى حد لم يسبق له مثيل، ونتيجة أيضاً لضعف معدل نموه خلال السنوات الست السابقة. إضافة إلى ذلك، استطاعت ميركل تمييز نفسها على الصعيد الدبلوماسي: فزيارتها إلى واشنطن هي الزيارة الثانية التي تقوم بها لالتقاء بوش منذ أن تولت الحكم، كما أنها تمكنت من التفاوض بنجاح من أجل حل بعض النزاعات الشائكة داخل منظومة الاتحاد الأوروبي.
ولكن مؤسسات قياس الرأي، والمحللين في ألمانيا، يقولون إن السبب الرئيسي الذي جعل ميركل تكسب رضا الناخبين هو نجاحها في تجنب العثرات السياسية التي ميزت حملتها الانتخابية العام الماضي، وتمكنها كذلك من تجاوز التوقعات المنخفضة التي توقعها الألمان لنظامها.
فخلال تلك الحملة، أفزعت ميركل الكثير من الألمان، عندما تعهدت بتغيير نموذج دولة الرفاه، الذي يرجع إليه الكثير من المحللين الاقتصاديين السبب في ضعف النمو الاقتصادي في ألمانيا وارتفاع نسبة البطالة فيها. ولم يتوقف الأمر على ذلك، حيث وعدت ميركل برفع معدل الضرائب على المبيعات من 16 في المئة إلى 19 في المئة، وهي خطوة لم تقابل بالإعجاب والتصفيق خلال جولاتها الانتخابية.
ومنذ ذلك الوقت حرصت المستشارة على أن تؤكد لناخبيها أن أي تغيير تنوي إجراءه سيكون محدوداً وتدريجياً.
يذكر أن سلفها في المنصب المستشار "جيرهارد شرودر، كان قد أمضى سنين وهو يتلاعب بمصير نظام الرفاه الاجتماعي، مما كان يثير هلع الملايين من الألمان. أما في الوقت الراهن، فإن الشعب الألماني يبدو أكثر راحة تجاه الأسلوب الهادئ الذي تتبعه المستشارة في معالجة الأمور.
وقد قامت الآن الصحافة المطبوعة في ألمانيا بركوب موجة الرضا عن ميركل. فمن المعروف أن الصحف الألمانية المشهورة لا تتورع عن تشويه سمعة الزعماء من خلال تصيُّد نواحي الضعف الشخصية لديهم، وهذا ما حصل في السابق مع ميركل، إذ لم تتوقف الصحف على امتداد الحملة الانتخابية للمستشارة عن التهكم من مظهرها وسوء هندامها. ولكن هذه الصحف توقفت الآن عن تلك السخرية، بل وانبرت للدفاع عن ميركل الأسبوع الماضي عندما نشرت صحيفة من صحف الإثارة البريطانية صورة غير لائقة لها.
وليس موقف الصحافة الألمانية من مستشارتها هو الذي تحسن، بل والمؤشرات الاقتصادية لألمانيا كذلك. ففي تقرير نشر يوم الخميس الماضي جاء أن معاهد ألمانيا الاقتصادية الكبرى، تتنبأ بأن الاقتصاد الألماني سيتحسن خلال 2006، مقارنة بالعام السابق بنسبة 1.8%. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يعد منخفضاً بالمعايير التاريخية، فإنه يعد أعلى معدل من نوعه يشهده الاقتصاد الألماني منذ عام 2000.
علاوة على ذلك نالت ميركل الكثير من الرضا بسبب تشكيلها لحكومة مستقرة. فمن المعروف أن "الديمقراطيين المسيحيين"، وبسبب أدائهم الضعيف في الانتخابات، قد اضطروا لوضع خلافاتهم مع منافسهم المعتادين وهم "الديمقراطيون الاشتراكيون" جانباً، وقاموا بتشكيل حكومة ائتلافية معهم يشير إليها الألمان حالياً بـ"الائتلاف العظيم". وعلى الرغم من أن العديد من المحللين السياسيين تنبأوا بأن هذا التحالف سيؤدي إلى نوع من جمود الحركة السياسية، ومن ثم إلى انتخابات مبكرة، فإن ميركل نجحت في صياغة برنامج تشريعي متماسك.
ونظراً لوجود المعارضة معها تحت مظلة واحدة، فإن ميركل ضمنت بذلك عدم وجود معارضة قوية لها. بالإضافة إلى هذا نجحت المستشارة الألمانية في كسب رضا مجموعتين كانتا تتشككان فيها أثناء حملتها الانتخابية. فخلال تلك الحملة لم تحصل ميركل سوى على علامات منخفضة من قطاع النساء، ومن سكان الجزء الشرقي من البلاد (ألمانيا الشرقية السابقة)، على الرغم من حقيقة أنها أول امرأة، وأيضاً أول شخص من ألمانيا الشرقية السابقة يتولى منصب المستشارية. هذا التشكك تغير تماماً الآن حيث تحظى المستشارة بنسبة تأييد كبيرة بين النساء، وبين سكان الجزء الشرقي من ألمانيا، كما يقول "رينهارد شلينكار