جاء من يمارس القيادة يكتب عنها، وجاء من نحت وبعناية تمثال دبي يفسر في هذا العمل الممتع الرؤية والفلسفة المسيّرة لمنهجه في العمل والحياة. ففي هذه الصفحات الزاخرة بالقيم الإيجابية والفلسفة الإنسانية الشفافة نكتشف من جديد ما عرفناه عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، كقائد طموح وصاحب فكر تنموي منفتح على العالم، وندرك مجدداً أننا أمام قائد منهجي في خططه وعمله، مؤمن بقدرة الإنسان على أن يمسك بزمام المبادرة وأن يكون محور التنمية. فهو يطرح من خلال هذا العمل ما وصفه الصحفي العربي الكبير غسان تويني بـ"الدعوة في السير في حلم عربي جديد، ولكنه واقعي هذه المرة". والحقيقة أن هذا المزيج من الحلم والممكن هو الذي يبرز في صفحات الكتاب، إنه توظيف ذلك المخزون المكبوت من الطموح الذي نمتلكه، فالصورة الكبيرة هي المهمة والأدوات هي التمكين وإعطاء الصلاحيات وعدم الغرق في التفاصيل. ونحن أبناء الإمارات الذين واكبنا تجربة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نرى منهجه وأفكاره تنبض حية في صفحات هذه الرؤية، وجاءت لغة الكتاب السلسة والمعبرة والبعيدة عن التعقيد والأمثلة العديدة الممتعة لتنتج عملاً غير عادي. وأتساءل بأمانة، إن كنا حقاً نتوقع من هذا القائد غير العادي أن ينتج عملاً عادياً؟
ويمثل كتاب: "رؤيتي: التحديات في سباق التميز" إضافة نوعية للمكتبة العربية، وسيبقى مرجعاً لطموح العرب في النهضة الحديثة المنشودة. والعمل مهم لأنه سجل لتجربة عربية ناجحة في زمن لم يرتبط فيه العرب والعربي بالنجاح. فتجربة دبي ناجحة، وبكل المقاييس، وتجربة الإمارات رائدة، وبكل المعايير، والمؤلف من قادة العرب الذين ميزوا أنفسهم، ومن خلال إنجازهم ضاقت بهم جغرافيا إمارة دبي. كما أن "رؤيتي" يشكل إضافة غنية للنشر العربي الذي طالما عانى من نقص فادح في الكتب التي تتناول المفاهيم الحديثة للقيادة والإدارة، وهو في هذا الجانب يطرق أبواب اهتمام قارئ إدارة الأعمال والإدارة العامة والعلوم السياسية في الآن ذاته، دون أن يكون مُعقداً عسيراً على القارئ العام. ومما يزيد من أهمية المساهمة، أنه خلاصة تجربة شخصية ووطنية عربية خالصة وليست ترجمة لعمل أجنبي في الإدارة مستنسخ من بيئة مختلفة. يبقى أن التوثيق في التجارب العربية ناقص ويتطلب المزيد من العمل الدؤوب معززاً تراكم وتوظيف المعرفة، وهو ما يطلق عليه الشيخ محمد بن راشد، النصيحة للأخوة من واقع تجربة ناجحة وخبرة قائد ناجح.
تبدو واضحة في "رؤيتي" الخلفية العسكرية للمؤلف، كما تبدو روحه الوطنية وطاقته الإيجابية المحفزة وتفاؤله غير المحدود، والقيم التي ترتبط بالقائد كما عرفناها تنشد نهضة الوطن ونموه وخير المواطن وسعادته، رؤية ترى الوطن بغيرة يقظة وروح صافية وطموح متوثب. ويزهو السرد بالحضارة العربية ويسوده إيمان عميق واعتزاز بالعرب وقدرتهم على تغيير أحوالهم من خلال تبنيهم للإبداع والتخطيط والتميز. فالكلمات والسطور مليئة بالثقة في قدرة العرب على تغيير أحوالهم ومواكبة العصر والسعي إلى الريادة. ومن خلال تجربة الشيخ محمد بن راشد الشخصية، ندرك أنه مؤمن بحرق المراحل واقتناص الفرص متى ما توفرت الظروف المساندة. وبرغم أن الكاتب يطرح أسئلة صعبة حول خلق التميز في بيئة عربية غير متميزة، إلا أن تفاؤله مدعوم بسجل شخصي مهني، إن صح التعبير، والسجل الناجح لإمارة دبي ولدولة الإمارات.
والمؤلف قائد بارع بلا منازع، يقود من المقدمة، حسب تعبيره، واستطاع أن يحلق في آفاق بدت في فترات عالية وكأن لا طموح يطالها، وحين أدرك الأهداف فاجأ المتابع بآفاق جديدة هي أيضاً تبدو عالية صعبة المراس. وحسب تعبيره "رؤيتنا كانت طموحة من البداية، لكن تحقيق النجاح شجعنا على زيادة طموحنا". وهو برأيي توجه عقلاني لا يعبث بالطموح ولكنه يبني على الإنجاز ويجهز ويخطط للأهداف ولا يعتمد على الحظ والصدفة، ويشمل هذا المنهج العملي التشاور والمتابعة والتدريب والمساءلة. ومع تجدد الطموح وتكرار النجاح بدأت المنطقة تنظر للرجل وللتجربة، مدركة عبقرية ما تحقق ومؤمنة بالرؤية القادمة والقدرة على إنجازها.
والتنمية كما يؤمن الشيخ محمد بن راشد، عمل إنتاجي تراكمي وتكاملي، وهو في هذا الجانب يساهم في استكمال عمل العديد من الرجال الخيرين وعلى رأسهم الفقيد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، والمرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، فهناك استمرارية بين طموح وعمل الشيخ محمد بن راشد ووالده الروحي المرحوم الشيخ زايد بن سلطان، والذي يصف علاقته به بـ"علاقة الابن بأبيه بما تتضمنه من الحب وصدق المشاعر". ووالده مؤسس دبي الحديثة، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، هذه العلاقة دائمة الحضور في صفحات هذا العمل القيم، ومن خلال العديد من الإشارات والروايات. فالتحديث والتطوير والعمل المضني هو استمرار للغرس الطيب والنوايا الخيرة لعمل بدأه السلف وارتبط في حالة دبي، بمسيرة مستمرة من اللؤلؤ وا