منذ وقوع فأس 11 سبتمبر بـ"رؤوسنا"، والكتب تتوالى على أرفف المكتبات، صادرة ومترجمة من كل حدب وصوب. بعض أشهر هذه الكتب، التي يكتبها عادة أوروبيون وربما أميركان ممن يكرهون الحزب الجمهوري ورئاسة الرئيس بوش، تحاول أن تقنعنا باختصار شديد، بأن أحداث 11/9/2001 كانت أكبر وأعقد من إمكانيات من اتُّهموا بها، أي تنظيم "القاعدة" وجماعة أسامة بن لادن، وأن وراء مثل هذه الأحداث مخططات سرية تشرف عليها الاستخبارات الأميركية أو شركات السلاح أو جماعات داخلية من نوع ما، أو ربما الإدارة الأميركية نفسها، ضمن محاولاتها المحمومة لإشعال الفتن وشن الحروب!
إحدى نقاط الضعف الأساسية في مثل هذه التهم هي تصور أن تقوم الاستخبارات الأميركية أو الإدارة بالتواطؤ مع شركات السلاح، بتدمير برجين بحجم أبراج نيويورك، وقتل آلاف الناس بدم بارد، دون أن يعرف موظف أميركي واحد، أو دون أن يسرب عنصر واحد من رجال الاستخبارات أي سر أو معلومة؟!
هذا في بلد مثل الولايات المتحدة، حيث يشاع سر كل يوم وكل أسبوع، وتُدفع الملايين لشراء الأخبار والأسرار!
استلمت قبل أسبوعين كتاباً من هذا القبيل من صديق، الكتاب صدر عام 2003 ومترجم عام 2004 إلى العربية بعنوان (The CIA: براءة العرب والمسلمين من أحداث 11 سبتمبر ودور أجهزة المخابرات). أما مؤلف الكتاب فهو الرئيس السابق لجهاز المخابرات في الحكومة الألمانية، أندرياس فون بيلوف، كما جاء على غلاف الكتاب... والعهدة على الناشر والمترجم!
أما خلاصة رأي المؤلف الألماني، كما جاء في ص 256، فهي: "أن حدث 11/9 هو عمل من أعمال الحرب النفسية، تم الإعداد له منذ فترة طويلة من فريق عمليات عامل من رجال أجهزة المخابرات المتمرسين في مثل هذه الأعمال وبالذات لتتناسب مع الروح المعنوية للشعوب، وحينئذ استسلمت المجموعة المتهمة والرجال الذين يقفون خلفها وتم جذبهم ضمن سيناريو الحرب الذي أدى إلى توتر العالم والذي لم يكن ليتحقق لولا هذه المواجهة العنيفة التي تمس الكرامة وجرح شعور القومية لدولة مثل الولايات المتحدة".
وكان المؤلف قد استهان بحجم الكارثة وأحزان أقارب الضحايا والشعب الأميركي "من جراء هذه الهجمات المرعبة"، ليقول الآتي عن غنائم إدارة الرئيس بوش: "... ولكن حينما ينظر المرء بذهن صافٍ إلى المكاسب التي حققتها سياسة القوة العالمية لأميركا، فإن الأحداث الدرامية الأميركية 11/9 لحكومة بوش بين عشية وضحاها حققت مكاسب ومزايا لم تكن متوقعة وضخمة جداً في كل الاتجاهات (ضربة معلم) -هكذا في الأصل!- إنه يستطيع الآن خلف ستار مكافحة الإرهاب، أن يعيد تشكيل الطبيعة العسكرية-السياسية-الاقتصادية في المناطق التي تحتوي على النفط وبالذات في بلاد الشعوب الإسلامية".
ولست واثقاً من أن مؤلف الكتاب أندرياس فون بيلوف كان فعلاً الرئيس السابق لجهاز المخابرات في الحكومة الألمانية. ذلك أن المترجم يصفه في مقدمة الكتاب بأنه: "خبير في المخابرات ووزير سابق في الحكومة الألمانية للاتصالات والتكنولوجيا وسكرتير للبرلمان الألماني البوندستاج"، ولم يذكر هنا أنه الرئيس السابق لجهاز المخابرات كما هو مذكور على الغلاف الخلفي للكتاب!
على كل حال، من المستبعد أن يصدق الألمان والكثير من القراء مزاعمه التي أوردناها منذ قليل!
في الكتاب نفسه نقاط أخرى يوردها المؤلف للرد على الاتهامات الأميركية ضد "القاعدة". فالحكومة الأميركية، كما يقول، لم تكن تعلم إلا القليل عن هذا الإرهاب قبل 11/9، لكنها وعلى وجه السرعة أعلنت أسماء المتورطين في هذا الهجوم وجنسياتهم. والطيارون الذين قاموا بالأعمال الانتحارية كانوا غير قادرين على تعلم الطيران، ولغتهم الإنجليزية ضعيفة وغير كافية لفهم شرح الدروس، كما قال مدرسو الطيران عنهم. وهناك إثبات قوي على أن بعض المسؤولين كانت لديهم تفاصيل هذه الهجمات قبل حدوثها بحوالى أسبوع، وهم أشخاس يعملون بالمضاربة في الأوراق المالية في البورصة.
ثم كيف يتم العثور على جواز سفر محمد عطا سليماً بينما لم يعثر على الصندوقين الأسودين للطائرتين؟ يقول المؤلف إن قائمة الركاب التي أعلنها جهاز البوليس الفيدرالي الأميركي FBI للطائرتين لا ذكر فيها لأسماء المتهمين.
أما المبنى نفسه، فكان قد اشتراه منذ أسابيع قليلة، مستثمر يدعى سيلفر شتاين وأمّن على مجموعة المباني، بما في ذلك التأمين ضد الإرهاب. وبعد انهيار المبنيين طالب الشركة بتعويض مضاعف لأن "الموضوع يتعلق ليس فقط بهجمة إرهابية واحدة بل هجمتين إرهابيتين"!
ويثير المؤلف أسئلة أخرى حول المتهمين، وطريقة سقوط المبنيين وعن سبب عدم إسقاط الطائرتين المغيرتين، بعد أن تأكد اختطافهما.
وينتهي بعد إيراد كل هذه النقاط والثغرات، بالقول كما أشرنا، إن كارثة 11/9 كانت مدبرة من داخل الإدارة والأجهزة الأميركية، وأن الاتهامات الرسمية لـ"القاعدة" تهمٌ جوفاء... وكلام فارغ.
ويؤكد المؤلف في كتابه أن الرئيس بوش متأثر بالجماعات المسيحية المتشددة، وبأفكار اليمين