مازلت متعلقاً بالمؤتمر الدولي للتعليم الإلكتروني الذي كتبت عنه مقال الأسبوع الماضي، لكنني سأعالج الموضوع من زوايا جديدة لذلك أرجو أن يعذرني القارئ الكريم إذا وجد أنني أتجول عبر ثنايا هذا الموضوع، فقد سجلت هذه الخواطر وأنا متجول بين ثنايا المؤتمر، فإليكم بعض هذه الوقفات.
كلنا يتحدث عن أهمية تزويد المعلمين بمهارات التعامل مع الحاسب الآلي، وقد أحسنت الإمارات صنعاً عندما طلبت من كافة المعلمين الحصول على إحدى الرخص المعتمدة للتعامل مع الحاسب الآلي، والمبرر الذي دفع إلى ذلك الاعتقاد بأن المعلم التقليدي لو زود بمهارة التعامل مع الحاسوب فإنه سيصبح معلماً عصرياً فالمعادلة تقول: (معلم تقليدي) + (مهارة الحاسب الآلي ) = معلم عصري. ما رأيكم في هذه المعادلة؟ لاشك أنها تحتمل أكثر من نتيجة، أن التزود بمهارات الحاسوب عملية مهمة لكنها لن تضمن لنا معلماً عصرياً لأنه بحاجة إلى أكثر من ذلك. علماء التربية لديهم معادلة أخرى هي: (معلم تقليدي)+ (قيم جديدة ) = معلم عصري، فالمطلوب هنا حسب هذه المعادلة تطوير القيم التي يؤمن بها المعلم لأنها لو تطورت فإنها تخلق معلماً جديداً قابلاً هو للتطور، وعندها سيندفع هو لكل جديد، وإلا فإنه قد يحصل على أفضل الشهادات في الحاسوب لكنه سيبقى في فصله ذلك الإنسان الذي نعرف. ومن أهم القيم الجيدة التي من الواجب أن يتبناها المعلم الجديد قيم الإبداع والابتكار وشعاره في هذه المرحلة: معلم يعلم التلاميذ كيف يعلموا م لا يعلمه أو أفضل مما يعلم (من علمني حرفا صرت له نِداً)، مع الاعتذار لمن يقول عبْداً.
الوقفة الثانية ترتبط بإنتاج المعرفة، فمن يتتبع التعامل الإلكتروني في الدول العربية يجد تنافساً كبيراً في هذا الميدان، وتعد الإمارات إحدى أهم الدول في هذا المحور، فهي ثاني دولة من حيث حجم الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات بعد السعودية، فحصتها تبلغ 32% من دول الخليج عام 2005. وقد مرت عملية تطور استخدام التكنولوجيا في التعليم بمراحل ثلاث مختصرها أنه في الثمانينيات بدأ الناس في استخدام الكمبيوتر الشخصي، وفي التسعينيات بدأنا في استخدام الإنترنت، أما في هذه الألفية فالناس يستخدمون الاثنين لكن دون أسلاك wireless وهذه التقانة لها انعكاسات جوهرية كثيرة، ومن المتوقع في القريب أن تكون لدينا الكمبيوترات ذاتية التفكير أو المفكرة، وعندها سيبدأ العالم ثورة معرفية جديدة. والسؤال هنا: كيف نستطيع الانتقال من مرحلة استخدام ما ينتجه الناس إلى الإسهام مع العالم في إنتاج المعرفة؟ طرحت هذا السؤال على عدد من الخبراء المشاركين في المؤتمر منهم الدكتور سليفان Sullivan من جامعة "دولهاوس" في كندا والدكتور ياب Yapp من شركة مايكروسفت المشهورة، و الدكتور توماس كوهلر Kohler من ألمانيا. صراحة لم يجب أي منهم عن أسرار هذه التقانة، لكنهم أجمعوا على أهمية الاشتراك بين الأساتذة الغربيين والعرب في عملية إنتاج المعرفة، فمن الصعب، وهذا منطقي، البدء من الصفر، فهذه صنعة وهي بحاجة إلى الاحتكاك مع الصناع كي نتعلم أسرار هذه المهنة. كما أنهم أكدوا على أهمية البدء في إنتاج بعض البرمجيات لأنها ليست بحاجة إلى الكثير من المال أو الجهد لكنها تجارة ناجحة اليوم تتفاخر الأمم بها. لكنهم جميعاً تكلموا عن أهمية إعداد حقائب معرفية حول تاريخ المنطقة وحضارتها لأنهم حسب قولهم يتعلمون عن العرب عبر وسطاء قد لا يكونون أمناء في نقلهم لتاريخ المنطقة بالصورة الصحيحة، فمن أقدر منا على الكتابة حول حضارتنا التي قادت العالم حقبة من التاريخ.
وقبل أن أختم المقال لعلي أقف معكم على حكمة يابانية جديدة تعلمتها في المؤتمر ملخصها، المعرفة هي الطريق إلى التطور، والتعليم هو وقودها. هكذا قال أهل اليابان فسبقوا العالم، فمن يرفع هذا الشعار في العالم العربي الذي آخر ما يفكر فيه هو التعليم.