نحن عملاء المخططات!
ليل نهار وعلى مدى عقود طويلة وقوانا السياسية تصرخ بأعلى صوتها: "مخططات إمبريالية- صهيونية لتمزيق أمتنا العربية والإسلامية إلى شيع وأحزاب لندخل في حروب واقتتال طائفي عرقي ديني"، خطب رنانة، وقصص عن مؤامرات تحاك، وخطط تتراكم كي تفرق كلمتنا. ودارت الأيام ولم يتغير سوى أن أصحاب المخطط أصبحوا صليبيين- صهاينة بلغة الدين السياسي بدلا من إمبرياليين- صهاينة بلغة العربجية والثوريجية في الستينيات وما حولها، ولكن من الذي ينفذ هذه المخططات -لو سلمنا جدلاً بأنها قدرٌ مفروض علينا؟ والإجابة –مع الأسف- أننا جميعاً -وإن بدرجات متفاوتة- مساهمون وشركاء في تنفيذ هذه المخططات وسأسوق أمثلة هي غيض من فيض مما أعني.
كانت المحاصصة السياسية التي تمت على المناصب القيادية في العراق الأسبوع الماضي طائفية بحتة، ولكننا نلوم "بريمر" الذي "حاصص" طائفياً بتشكيل مجلس الحكم. حسناً، ولكن "بريمر" رحل، ومحاصصته لم ترحل لأن هناك من ينفذها في بغداد بدقة متناهية. تم رفض ترشيح الدكتور إياد علاوي لمنصب نائب رئيس الجمهورية لأنه لم يصنف طائفياً ولا عرقياً، مشكلته الوحيدة كانت في عراقيته، لم يصنف على أنه شيعي أو سُني أو كردي، وعليه رفض ترشيحه!
وفي الكويت أجمعت التنظيمات السياسية وكبار قادة البلاد، بمن فيهم رئيس الوزراء ونائباه وزير الداخلية ووزير الخارجية، على أن تقليص عدد الدوائر الانتخابية من شأنه تخفيف الاحتقان الطائفي، وتعزيز الوحدة الوطنية تحسباً لحروب طائفية في المنطقة، فمن الذي يعرقل تعديلها الدوائر؟ الإمبريالية والصهيونية؟ ومن الذي يدفع بعض القبائل والطوائف إلى عقد انتخابات فرعية مخالفة للقانون وتمزق المجتمع؟ هل أميركا والصهيونية وراء تلك الانتخابات الفرعية؟
ويتهاوى الشارع المصري مدفوعاً بجرائم متطرفين، وتندلع مواجهات بين المسلمين والمسيحيين في حين يردد الجميع بأن مصر مستهدفة بمخطط لإشعال فتنة طائفية.
وفي السودان، خاض الجنجويد حرباً عرقية ضد إخوانهم السودانيين المسلمين في دارفور وسط تجاهل -وربما تواطؤ حكومي، فهل دفعت الإمبريالية بالجنجويد نحو استعباد أهل دارفور؟
ويجري في فلسطين تحقيق حلم إسرائيلي قديم باقتتال فلسطيني-فلسطيني، فلطالما دفعت إسرائيل الحكومات الفلسطينية المتعاقبة إلى "وقف الإرهاب" بقمع "حماس" والفصائل الدينية المسلحة، ولم يتحقق لها ما تريد، وبدأ تحقيق هذا الحلم بتصريحات خالد مشعل ووصول "حماس" الدينية إلى الحكم، وجرى قتال توقف، ولكنه قد يعود من جديد لبقاء الغباء السياسي واللاواقعية في التعامل مع الأحداث. فهل تنفذ "حماس" المؤامرات الصهيونية- الإمبريالية؟
وجرى في البحرين نضال سلمي أحياناً ودام في بعض الأحيان لتحقيق الديمقراطية، وتحقق الكثير، ولم يتحقق كل شيء، وراحت الشعارات لدى البعض تناغي تجربة إيران الدينية، وتعمل على شرخ التعايش السُّني- الشيعي الذي عرفه أهل البحرين منذ قرون.
لم تفرض الإمبريالية والصهيونية الدستور الإيراني الذي يفرض دولة دينية طائفية تستثني ليس فقط باقي الطوائف، ولا باقي التوجهات المدنية، وإنما تشمل أيضاً من لا يتفق مع ولاية الفقيه من داخل الطائفة نفسها، ولكن ساسة إيران يلومون "الشيطان الأكبر" على كل مصائب الزمان في كل مكان وزمان.
وتشتعل حرب طائفية بين السُّنة والشيعة في باكستان، ومعظم ضحاياها من الشيعة الذين يستهدفهم سُنة جهلة، فتتفجر الحسينيات والمساجد، ويموت الأبرياء دون ذنب في هذا الفريق، فيقوم الفريق الآخر بالرد بطريقة لا تقل فظاعة وشناعة. ثم نلوم الإمبريالية والصهيونية؟
لا تحاول هذه المقالة تبرئة أميركا وإسرائيل، ولكنها إدانة لكل الذين يتحدثون عن المؤامرة، وهم أدوات تنفيذها، فإن كانت المخططات قائمة، فنحن حتماً عملاء تلك المخططات بترجمتها بانحيازنا للطائفة والقبيلة على حساب الوطن والتلاحم في وجه المخططات.