حسب "كينيث كاتزمان"، في حديثه عن السيناريوهات السياسية في عراق ما بعد الحرب (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية): "وقد قال كبار المسؤولين الأميركيين -ومنهم نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز- في أوائل أبريل 2003: إنهم يأملون أن يأخذ هذا النظام مكانه خلال ستة أشهر من سقوط النظام. غير أن المسؤولين الأميركيين تراجعوا عن تحديد أي تاريخ نهائي لتأسيس سلطة عراقية للحكم الذاتي، وذلك خوفاً -فيما يبدو- من احتمال عجز الجماعات الرئيسية القائمة عن تشكيل نظام مستقر، أو هيمنة الإسلاميين الشيعة عليه".
كان ذلك الحديث عام 2003، وخلال ندوة نظمها المركز المذكور. ونحن اليوم في عام 2006، نجد أن واقع العراق لا يسمح بقيام نظام ديمقراطي، ولا يسمح أيضاً برحيل القوات الأميركية في ظل مستنقع الفوضى في ذلك البلد.
أحد الباحثين العسكريين القريبين من القرار العسكري الأميركي، تحدث في الدوحة قبل أسبوعين، وقال: "لا يوجد تاريخ محدد لانسحاب القوات الأميركية من العراق"، مشيراً إلى أن معظم الجنود من المتطوعين الذين لا يمكن الاعتماد على بقائهم بعيداً عن أسرهم مدة طويلة. كما أن كثرة تبديل المتطوعين لا تخدم جيداً من المنظور العسكري. وقال: إن الرأي العام الأميركي ينظر إلى الحرب على العراق باعتبارها كانت خطأ، وهذا يؤثر على جدية الجندي الأميركي، كونه موجوداً في المكان الخطأ لهدف خطأ. كما أن الرأي العام الأميركي مشتت بين إعلانات الحكومة الأميركية عن تحقيق تقدم في تكوين الجيش العراقي، وإنشاء المدارس والشوارع، لكن لا تتحدث الحكومة الأميركية عن الانسحاب. والمناوئون للسياسة الأميركية -من الأميركيين- يعلنون عدم وجود تقدم فيما يتعلق بعودة أبنائهم إلى الوطن. ويخلص البروفيسور "آندرو تيريل)" إلى القول إننا نواجه تحديات ثلاثة هي:
1- الوصول إلى عراق موحد.
2- عراق بعيد عن هيمنة أية دولة.
3- الخوف من انسحاب يجلب الكوارث في العراق.
الجنرال المتقاعد في الجيش الأميركي "غريغ نيوبولد" في "التايم" يقول: "لكنني اليوم نادم على تركي المصممين على غزو بلد نشاطه الإرهابي هامشي مقارنة بنشاط "القاعدة" الخطير، من غير معارضة جازمة". ويشير إلى أخطاء الولايات المتحدة غير المعلنة، التي شكك فيها بأقوال وزيرة الخارجية الأميركية التي اعتبرت أن قرار الحرب كان قراراً استراتيجياً صائباً.
يقول: "إنه -كلام الوزيرة- مهين، فهو يتستر على الأخطاء الاستراتيجية الصارخة، ويلقي مسؤولية الفشل على من تفانى في القتال. ونحن نقطف ثمار سياسات فاشلة، من تشويه سمعة جهاز الاستخبارات قبل الحرب، والفشل في إعادة تشكيل الجيش العراقي في الوقت المناسب للقضاء على التمرد، والتخلي عن حلفاء يسهمون في بناء العراق".
نحن نعلم أن كل الأميركيين عندما يكونون على اتصال بالوظيفة والحكومة الأميركية، يتحدثون وهم يرتدون قفاز الدبلوماسية، وما إن يتم رفضهم، أو يتقاعدوا، حتى يجاهرون بالحقيقة التي أخفوها خلف تلك القفازات.
ولمناقشة الاحتلال الأميركي للعراق، لابد أن نضع في اعتبارنا صعوبة الإطاحة بالنظام البوليسي الصدامي دون تدخل عسكري.
كما أن الإطاحة بالنظام، ما كانت تستوجب فتح البلاد على مصاريعها للخلايا النائمة، والأحقاد التاريخية، كي تتواجه في غفلة من النظام -أو وجود لا نظام- وفي انشغال الجيش الأميركي بتعقب الرئيس المخلوع وزمرته، دون الالتفات إلى انفجار "المظلومين" من النظام السابق، ووجود الفرصة السانحة لهم للانتقام بعد 35 عاماً من القهر والاستعباد. والملاحظ أن التنازع حول إيقاع أقسى الضربات بالطرف الآخر، ليس بين السُّنة والشيعة حالياً، بل إن حالة الانقسام -التي تهدد أية محاولة لجعل العراق النموذج الديمقراطي- بين أقطاب الشيعة أنفسهم. ولعل ما يجري على الساحة من حالات استقطاب بين التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة عبدالعزيز الحكيم، هو الدليل الأمثل للحالة الشيعية في العراق. ولا يختلف اثنان على ما نال الشيعة في العراق من أهوال وكربلائيات إبّان حكم صدام. وها هم الإخوة الشيعة يجيشون الميلشيات. الصدر له جيش مسلح هو "جيش المهدي"، والحكيم له "فيلق بدر"، ويضم الجيشان أكثر من عشرين ألف مقاتل، يأتمرون بأمر زعيميهم. ولكل من الزعيمين تاريخ طويل، وعودة كليهما والعائلات التي تتبعهما بالطبع تستلزم كسب العراقيين الموالين، بغية الانتصار على الطرف الآخر. وبدا الخلاف جلياً بين التيارين من مسألة رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري، حيث وقف الصدر مع هذا الأخير، بينما دفع الحكيم بأوراقه كلها نحو تعيين مرشحه عادل عبدالمهدي.
ولا نود الدخول في تاريخ الزعيمين الشيعيين، وتصاهرهما، وخطابات كل منهما، لأن ذلك مبحث آخر. القصد هنا، أنه لا فريق يسمح بانفراد فريق آخر -ولو كان شيعياً- على حساب نضاله أو تاريخه السياسي والاجتماعي داخل العراق أو خارجه. في ذات الوقت يقف الطرفان صفاً واحداً ضد نظام سُنّي، وهما ما انفكا يقاومانه،