في رأي القس الكاثوليكي النيجيري "أيليو" الذي يدرّس علم اللاهوت في جامعة سان ميشال بتورونتو أن محاكمة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور أمام محكمة الأمم المتحدة الخاصة بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية: "ستمثل خطوة على طريق المصالحة الوطنية في ليبيريا وسيراليون وتطوي بعضاً من صفحات أسوأ فترة في تاريخ أفريقيا الغربية"، ولكن الأهم في من ذلك في نظره هو أن "المحاكمة يجب أن تنتهي إلى الإجابة على أسئلة مقلقة ومثيرة لاتهامات كبيرة حول دور بعض الشركات الغربية الكبيرة صاحبة النفوذ القوي في بلدان المنطقة، والتي شاركت واشتركت بنشاط في عمليات مبادلة الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة بالأسلحة التي استعملها كل من تايلور و"سانوحي" ضد خصومهما المدنيين، وتمويل مغامراتهما الحربية التي راح ضحيتها في ليبيريا أكثر من مائتي ألف قتيل، وفي سيراليون أكثر من خمسين ألف قتيل، إلى جانب ما يزيد على نصف مليون لاجئ من البلدين، تشردوا في أحراش ومدن البلدان الأفريقية الأخرى المجاورة يستجدون مأوى قد يكون غالباً غير آمن، ويشحذون لقمة غذاء لأطفالهم ونسائهم...".
والتساؤل لا ينتهي عند دور الشركات الغربية التي شاركت في عملية نهب الأموال الملوثة بالدم في ذينك البلدين الأفريقيين تعيسي الحظ, بل تمتد إلى السؤال المشروع عن دور بعض الرؤساء الأفارقة –سابقين وحاليين– ممن سمحوا للرئيس الليبيري السابق باستخدام بلدانهم كمعابر لتهريب الأحجار النفيسة والأخشاب الغالية واستيراد الأسلحة لتسليح جيوشه وجيوش شريكه "سانوحي".. ذلك لأن الحديث قد كثر، ومنذ سنوات عديدة، ليس فقط عن تغاضي بعض الحكومات الغربية عن الجرائم التي تشارك فيها شركات غربية معروفة, بل أيضاً وعن دور رؤساء أفارقة، بعضهم ذهب غير مأسوف عليه، وبعضهم لا يزال في كرسي السلطة.. ويمتد التساؤل المشروع كذلك ليشمل المجتمع الدولي برمته، (بما ذلك منظمة الأمم المتحدة ذاتها) والتي تباطأت حركتها حتى بلغت مأساة سيراليون– ليبيريا حداً لا يمكن إغفاله أو التغاضي عنه أمام الرأي العام العالمي...
والأمر لا يقتصر على الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور فقط، بل يتعلق أيضاً بجذور المأساة الأفريقية العامة وما عانته شعوب القارة السمراء من ظلم واضطهاد على أيدي حكامها "الوطنيين"، وذلك في ظل أنظمة ديكتاتورية يحكمها طغاة يضرب بهم المثل في الطغيان والفساد والتجرد من الإنسانية. وفي خلفية الصورة المأساوية تظهر وجوه أشباح غربية نافذة في بلدانها عملت وشجعت، بل بعبارة القس "أيليو"، هي التي خلقت بعض الوحوش الأفارقة والديكتاتوريين الذين أصبحت حكاياتهم على جميع الألسن، والذين أسسوا لجماعات الفساد الحكومي والسياسي الأفريقية، التي أصبح العالم الغربي نفسه يشكو من شرها في وقتنا الحالي.
عندما تمر بلدان بمثل الظروف المأساوية التي مرت بها ليبيريا وسيراليون, وعندما تحين ساعة الحساب العدلي الذي لا يخضع للهوى والمصالح الآنية للدول والأفراد, فإن الهدف من المصالحة الوطنية يجب ألا يكون أساساً الانتقام والتشفي بل إحقاق الحق وإقرار العدل حتى لا تتجدد المأساة وتتكرر بوجوه ومسميات أخرى... فحتى الرئيس الليبيري السابق كان يبرر أعماله الوحشية بأنها "إرادة الله"، وإنه هو ليس سوى منفّذ لها...!