تناولنا بالأمس القلق الذي يشعر به الكثيرون تجاه "أجندة" وزارة التعليم وأيضاً حول أولويات الوزارة خلال المرحلة المقبلة، وأكثر ما يلفت الانتباه في كل الجدل المثار أن هذه المخاوف تعكس تزاحم الإشكاليات التي تعانيها الوزارة وتفاقمها وتعددها بمرور السنوات بحيث بات يصعب حصرها، وبالتبعية يصعب أيضاً تحديد الأولويات، على اعتبار أنها ستتفاوت تلقائياً ليس فقط من منطقة تعليمية إلى أخرى بل ربما من مدرسة إلى أخرى، واللافت أن هناك أولويات أخرى موازية تتعلق بقطاعي التعليم الحكومي والخاص، وأيهما يستحق إيلاءه القدر الأكبر من الأهمية، أم أن للوزارة المقدرة الإدارية على فتح ملفي القطاعين معاً ومعالجتهما على التوازي؟.
البعض يطالب بروزنامة حلول تتصدى للإشكاليات التعليمية في آن واحد، فيما يرى آخرون البدء بالمباني المدرسية وإصلاح أحوال المعلمين مادياً وإدارياً وعلمياً، وبين هذا وذاك يرى فريق ثالت ضرورة التأني وإعداد دراسات وافية وحصر المشكلات وإعداد البدائل والحلول ومناقشتها مع الميداني التعليمي تمهيداً لتطبيقها تدريجياً بحيث يصبح الإصلاح والتطوير شاملاً لمختلف أضلاع العملية التعليمية بما لا يتجاوز التفاصيل ولا يفرز مضاعفات جانبية. فيما يحذر فريق رابع من خطورة "التنظير" وارتهان التطوير إلى الخطط النظرية التي تتجاهل الواقع التعليمي، وينبهون إلى ضرورة حسم الخيارات بين الكيف والكم والتركيز على التطوير النوعي لا الشكلي... وهكذا يمكن أن تجد الوزارة نفسها في دوامة الجدل بين مفردات ومفاهيم زئبقية مطاطة يصعب الإمساك بأي منها وتحديد ملامحه ومعناه وأبعاده، بل -وهذا هو الأخطر- قد يدفع هذا الجدل إلى تكرار السيناريو الذي شهدته وزارة العمل في سنوات سابقة بمعنى الاستغراق في التفاصيل والبقاء في موقف المراوحة بالمكان وتجنب فتح الملفات الرئيسية وبالتالي بقاء المشكلات الجوهرية محلّك سرْ تطفو على السطح حيناً وتخبو أحياناً أخرى والخاسر الوحيد بالنهاية هم الجميع، من مدافعين ومعارضين، للأجندة.
السؤال الآن: هل يمكن أن تخرج الوزارة بجدول أعمال متكامل يرضي جميع أطراف العملية التعليمية على حد سواء؟ الجواب من دون تردد سيكون بالنفي، ليس فقط لاختلاف الرؤى والأهداف ولكن أيضاً لتضارب المصالح في كثير من الأحيان، خصوصاً بين أولياء الأمور والمدارس الخاصة، وهناك بالطبع نماذج عديدة لتضارب المصالح وتفاوتها ولو بنسب ضئيلة داخل "الميدان"، وبالتالي فإن المخرج المناسب من حالة الجدل العقيم وتفادي الدوران في حلقة مفرغة هو أن تكون القرارات مدروسة بشكل كافٍ يضمن تحقيق الأهداف المرجوة وتفادي منهج التجريب والاعتماد على التخطيط العلمي الدقيق خلال أمدية زمنية مختلفة مع ضمان التنسيق ووحدة الأهداف ورشادة القرار الإداري، بما يضمن بالنهاية تحقيق حد معين من الرضا الوظيفي والجماهيري تجاه سياسات الوزارة. فالكل يدرك حاجتنا الماسة إلى اتخاذ قرارات جريئة تتصدى لمنزلقات العملية التعليمية وتصحح أوضاعاً مغلوطة اكتسبت قدراً هائلاً من المشروعية الإدارية بمرور الزمن، وكلنا يدرك أيضاً حاجتنا الماسة إلى توفير حد أدنى من الاتساق مع الأنظمة التعليمية المتطورة في العالم، وهذه الاختراقات تتطلب قدراً من الوعي وقدراً موازياً من التضحية بمصالح خاصة لمصلحة مجتمعية أهم وأشمل، لأن مواصلة الجدل بهذا الشكل ليست سوى هدر للجهد والوقت من دون أمل في اتفاق ما على تحديد نقطة الانطلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية