يعتبر النفط وليس روسيا أو الصين, الحليف الرئيسي لإيران في أزمتها النووية الحالية. ففي مقدورها وبكل سهولة رفع أسعار النفط العالمي, وها هي قد شرعت في ذلك بالفعل, بقصد إحداث هزة عامة في الغرب. ومع تصاعد الأزمة واشتداد توترها, تتصاعد معها ترمومترات قلق شركاء واشنطن الدبلوماسيين على إمداداتهم ووارداتهم النفطية. وعليه فليس مستبعداً أن تنجح إيران بورقة النفط وحدها, في كسر شوكة الدبلوماسية الغربية. وإن كنت تشكك في صحة هذا التحليل, فلك أن تنظر بعينيك إلى ما يجري الآن: فقد أطلقت طهران إعلاناً مفرقعاً في الحادي عشر من الشهر الجاري, عن حصولها على التقنية النووية الرئيسية. ومن الطبيعي أن يثير الإعلان قلق عواصم العالم وغضبها عليها. غير أنه أسهم مباشرة في ارتفاع أسعار النفط العالمي إلى ما يفوق الـ70 دولاراً عن البرميل الواحد, كرد فعل على المخاوف من أن تؤدي ضربة عسكرية أميركية لإيران, إلى حدوث انقطاع أو انخفاض في الصادرات النفطية الإيرانية, مما يلقي بظلاله وتأثيراته السالبة على الاقتصادات الغربية. وإذا كانت أسعار النفط قد ارتفعت بما يزيد على 8 دولارات عن البرميل الواحد خلال أقل من ثلاثة أسابيع, فما ذلك إلا بسبب طهران.
ولاشك أن النفط يعد سلاحاً مخيفاً بيد طهران, إذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة كونها الدولة الرابعة عالمياً من حيث الإنتاج والتصدير, إضافة إلى موقعها الاستراتيجي وسيطرتها على الملاحة البحرية في مضيق هرمز, مع العلم بأن نسبة 20 في المئة من صادرات العالم والإنتاج النفطي, تمر عبر هذا المضيق. وتنتج إيران 4 ملايين برميل نفط يومياً، أي ما يعادل نسبة 5 في المئة من الإنتاج العالمي, بينما تصدر نحو مليونين ونصف المليون برميل يومياً. وليس ذلك فحسب, بل لقد نجحت إيران في بناء شبكة من العلاقات, تمكنت بها من جعل عدة دول رئيسية, تعتمد عليها كلياً في مجال الطاقة. وعلى سبيل المثال, تصدر طهران للصين ما يعادل نسبة 4 في المئة من إجمالي وارداتها النفطية. أما إلى فرنسا فتبلغ تلك النسبة 7 في المئة, و9 في المئة بالنسبة لكوريا, و10 في المئة لليابان, و11 في المئة لإيطاليا, و14 في المئة لبلجيكا, لتصل إلى 22 في المئة لتركيا, و24 في المئة بالنسبة لليونان.
وغني عن القول إن هذا الاعتماد الكبير على طهران في مجال الطاقة, سيضع الكثير من العراقيل أمام الولايات المتحدة, في محاولة تصعيد حملة ضغوطها على إيران. وفيما لو واصلت واشنطن مساعيها الرامية إلى فرض عقوبات اقتصادية, أو حتى لو ألمحت إلى توجيه ضربات عسكرية ضد الأهداف النووية الإيرانية, فمما لاشك فيه أن طهران ستلجأ لاستخدام سلاح النفط بثلاث وسائل مختلفة هي: أولاً، يرجح أن تعمد إلى خفض إنتاجها من النفط, بهدف زلزلة الأسواق العالمية. وهذا هو ما لوح وهدد به بالفعل, القادة الإيرانيون المتشددون, ابتداءً بالرئيس محمود أحمدي نجاد, وصولاً إلى كاظم وزيري حامنه, التكنوقراطي ووزير النفط الحالي. وربما تبدأ إيران بالحفاظ المؤقت على نسبة تصدير يومي رمزي, لنقل إنها حوالى 300 ألف برميل يومياً. وتستطيع هذه النسبة رفع أسعار النفط العالمي, بأعلى مما تستطيعه أي دولة أخرى, بالنظر إلى السياسات الصدامية الاستفزازية التي تنتهجها طهران, والتي ستثير قلق العالم على الخطوة التالية التي يمكنها أن تخطوها.
أما الوسيلة الثانية التي تستطيع بها إيران استخدام سلاح نفطها, فتتلخص في محاولتها التأثير على مرور الناقلات النفطية عبر مضيقها البحري. وفي مجرد التهديد بهذا وحده, ما يكفي لرفع أسعار النفط العالمي, ناهيك عن اتخاذ خطوة فعلية في هذا الاتجاه, فيما لو تعرضت لهجمات عسكرية على منشآتها النووية. بهذه المناسبة يذكر أن إيران نظمت مؤخراً, تدريبات عسكرية استمرت لمدة أسبوع كامل, أطلق عليها اسم "النبي العظيم" وشاركت فيها قوة قوامها 17 ألف جندي من صفوة قوات الحرس الثوري, إضافة إلى أنه قد جرى الكشف خلالها عن عدد من الأسلحة الجديدة المتطورة. شملت هذه الأخيرة طوربيداً عالي السرعة لا يمكن رصده بواسطة الموجات الصوتية تحت الماء. وسرعان ما فسرت الدوائر العسكرية تطوير إيران لهذا السلاح, على أنه تهديد منها, بقدرتها على إعاقة حركة الناقلات النفطية عبر مضيقها, أو حتى إغلاقه أمامها تماماً, وذلك بإغراق الناقلات المارة عبره. وكان طبيعياً أن تنتبه شركات التأمين المعنية بالتأمين على الناقلات النفطية. وبما أن هذا هو واقع الحال, ففي وسع طهران رفع أسعار النفط إلى معدلات جنونية, حتى ولو لم تقدم على اتخاذ أي خطوة أخرى, عدا عن رفعها الجنوني لأسعار التأمين العالمي على الناقلات النفطية.
إلى هنا نصل إلى طريقة الاستخدام الثالثة والأخيرة لسلاح النفط، وتتلخص هذه الطريقة في مواصلتها التهديد بتطوير تقنيتها النووية, بما يؤثر سلباً على أسواق النفط العالمية, ويؤدي طرداً إلى رفع الأسعار. فالخوف من احتمال وقوع مواجهة عسكرية معها, تنتج عنه مباشرة, زيادة جديدة في أسعار النفط العالمي.
كيل