كان ومازال ولاء الشيعة للدول التي ينتمون إليها محل تساؤل، فلماذا هذا التشكيك على الدوام في الولاء والانتماء والوطنية للشيعة؟ وهل يمكن أن تتعارض الوطنية مع المذهب؟ لقد أثارت تصريحات الرئيس المصري محمد حسني مبارك التي قال فيها: "الشيعة في كل هذه الدول (في المنطقة) يشكلون نسبة مهمة، والشيعة غالباً ما يكون ولاؤهم لإيران وليس للبلدان التي يعيشون فيها". سلسلة ردود أفعال رافضة للتصريحات تجسدت بمقاطعة الحكومة العراقية لمؤتمر الدول المجاورة للعراق الذي عقد في القاهرة بغياب العراق احتجاجاً على ما قاله الرئيس المصري عن الشيعة في العراق.
زلة لسان الرئيس المصري حاول أن يجملها الناطق الرسمي باسم الرئاسة المصرية سليمان عواد في اليوم التالي، قائلا إن: "ما قصده السيد الرئيس هو التعاطف الشيعي مع إيران بالنظر لاستضافتها للعتبات المقدسة"، وتابع: إن "مصر تتعامل مع جميع فئات العراق وأطيافه دون تفرقة أو تمييز"، وبين الولاء والتعاطف بون شاسع. رغم ذلك فقد حذر الرئيس المصري في تصريحاته من أن العنف في العراق وصل إلى حد الحرب الأهلية التي قد تتخطى تداعياتها العراق لتصيب باقي دول المنطقة. تصريحات أو تحذيرات ظهرت من جديد على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والذي عبَّر عن قلق دول الخليج من الأوضاع في العراق قائلا: "إن العنف بين السُّنة والشيعة يمكن أن يعبر الحدود إلى الدول المجاورة ويعم المنطقة بأسرها"، ليعود من جديد حديث الولاء والمواطنة للعرب الشيعة، فهل الشيعة في دول الخليج إيرانيون أكثر من الإيرانيين أنفسهم؟
يعد الانقسام بين الشيعة والسُّنة الانقسام الأقدم والأكبر في التاريخ الإسلامي، وتعززت عبر قرون الخلافات المذهبية والتشريعية والفقهية والشعائرية بين المسلمين السُّنة والمسلمين الشيعة، لكن لم يظل التشكيك على الدوام في ولاء الشيعة لأوطانهم؟ تساؤل أثير إبان الحرب العراقية- الإيرانية، وطالما كانت المسألة الشيعية مسألة حساسة في التعاطي الرسمي والإعلامي معها، وعدت حتى فترة قريبة من المسائل المسكوت عنها. لذا فالإجابة على هذا التساؤل تتطلب الاطلاع على الأسباب الكامنة وراء هذا التشكيك والتي نرى -اجتهاداً شخصياً- أنها تعود لاختلاف جوهري بين المذهب الشيعي الإثني عشري بالتحديد والمذهب السُّني فيما يعرف بعملية الاتباع أو ما يسميها الشيعة بالتقليد، حيث يختلف وضع رجال الدين عند الشيعة عنه عند السُّنة إذ يمارس المرجع الديني عند الشيعة دوراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وتتبع كل مرجع مجموعة من "المقلدين" عبر العالم تقل أو تكثر حسب كل مرجع. وهؤلاء المقلدون يدفعون للمرجع التزاماتهم الدينية التي تتراوح بين أمور واجبة مثل "الخمس" أو شديدة التأكيد مثل "رد المظالم" أو مستحبة مثل "الوصية بالثلث" والهبات والصدقات. ويمارس المرجع الديني لدى الشيعة أدواراً اجتماعية متنوعة كتقديم المساعدات المالية والاستشارات والفتاوى الدينية ويبرز كقائد اجتماعي يدافع عن حقوقهم ويتمثل مطالبهم. وانتقل الدور الاجتماعي للمرجع الديني إلى الدور السياسي بنظرية "ولاية الفقيه" التي أرساها تطبيقاً آية الله الخميني بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 رغم معارضة عدد من المراجع الدينية الشيعية لـ"ولاية الفقيه". رغم ذلك جسدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية "ولاية الفقيه" فالنخبة الحاكمة في إيران هي نخبة دينية شيعية غالبها من المراجع ورجال الدين. خلاصة القول إن الشيعة في الغالب يتبعون مقلداً "مرجعاً" حياً في شؤونهم، دون تحديد نطاق جغرافي لا لهم ولا له، فقد يكونون في أوروبا ومقلدهم في النجف أو قم أو البحرين أو.. أو، وقد يكونون في دولة كالإمارات ومقلدهم في مدينة قم. وبرأيي أن هذا الاختلاف الجوهري بين السُّنة والشيعة هو السبب الرئيسي للتشكيك في ولائهم لدولهم التي ينتمون إليها. فالعلاقة بين المقلدين والمرجع اقتصادية واجتماعية وسياسية، ولاء للمرجعية، وأموال تتدفق باتجاه المرجع، إذن فهي مصالح اقتصادية وسياسية للحوزة والدولة التي تحتضنها. أموال يرى الكثيرون أن إنفاقها على المحتاجين في المجتمعات التي تحتضن هؤلاء الشيعة أولى.
كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى سقوط النظام البعثي في العراق تمثل قلب المذهب الشيعي بما تحتويه من حوزات علمية ومراجع دينية ومواقع مقدسة كمدينة قم، إلا أن العراق بدأ ينازعها مكانتها بمراكزه العلمية والعتبات المقدسة العراقية بكربلاء والنجف والتي يؤمها كل عام ملايين الشيعة من إيران والعراق نفسه ومن لبنان ودول الخليج. الإشكالية التي ترد هنا أن غالبية المراجع الشيعية في العراق وإيران، فلماذا لم نسمع عن مراجع شيعية في دول الخليج، دولة الإمارات أو السعودية على سبيل المثال؟ ومع إقرارنا بجهلنا البين لأنشطة خيرية للشيعة في خدمة مجتمعاتهم الخليجية، فإن المسألة الشيعية في دول الخليج قضية ذات اتجاهين، فمع تحميل وسائل الإعلام الخليجية مسؤولية في عدم تسليطها الضوء على الدور الإ