في خطاب طارئ على التلفزيون أعلن الملك جيانيندرا يوم الجمعة الماضي عن نيته تسليم السلطة إلى الأحزاب السياسية الرئيسية في نيبال عقب الاحتجاجات العنيفة المطالبة بإصلاحات ديمقراطية، التي دامت طيلة الستة عشر يوماً الماضية وأدخلت المملكة القابعة فوق جبال الهيمالايا في أزمة عاصفة. وبخطابه الذي ألقاه الملك على الأمة يكون قد خرق الصمت الذي ران على الأجواء المحتقنة طيلة الأيام السابقة في محاولة منه للتخفيف من حدة الاحتجاجات التي ما فتئ زخمها يزداد يوماً بعد يوم، وذلك رغم الاعتقالات الواسعة والهجمات العنيفة التي نفذها رجال الشرطة ضد المحتجين الذين نزلوا إلى شوارع العاصمة كاتماندو مستفيدين من دعم شعبي واسع. ويبدو أن المطالب التي رفعها المحتجون ذات سقف مرتفع، إذ يصرون على تنحي جيانيندرا بعدما منح نفسه سلطات مطلقة طيلة الأربعة عشر شهراً الماضية. غير أن ردود الفعل الأولى للشارع تشير إلى عدم خفوت الاحتجاجات، وإلى أن مساعي الملك للتهدئة قد تبوء بالفشل، خصوصاً بعدما أعلن زعماء التحالف الذي يضم سبعة أحزاب تقود الاحتجاجات بأن تصريحات الملك تظل قاصرة عن تلبية جميع مطالبهم، متعهدين بمواصلة الاحتجاجات والرفع من حدتها.
بيد أن الاضطرابات المتواصلة التي عصفت بنيبال طيلة الفترة الأخيرة أثارت المخاوف من نشوء أزمة إنسانية في بلد فقير ذي أغلبية هندوسية يصل عدد سكانه إلى 28 مليون نسمة، ويعرف خصيصاً في العالم بقممه الشاهقة. لذا لم تخف الأطراف الدولية كالهند والصين والولايات المتحدة قلقها من انتشار حالة انعدام القانون في المستقبل، والحاجة إلى مساعدات دولية عاجلة. فقد عبر المسؤولون الأميركيون عن مخاوفهم من أن يحقق المتمردون "الماويون"، الذين يجوبون الريف النيبالي بكل حرية ويقودون تمرداً ضد السلطات لأكثر من عشر سنوات، مكاسب سياسية وبأن يخرجوا منتصرين في حال استمرت الاضطرابات لفترة أطول. وما أن ألقى الملك جيانيندرا بخطابه أمام الأمة حتى انضمت الولايات المتحدة إلى الهند مرحبة بتصريحات الملك، حيث قال "شين ماكومرد"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "نحث كافة الأطراف بالاستجابة العاجلة عبر اختيار رئيس وزراء والبدء في تشكيل الحكومة". وتضع هذه الدعوة التي وجهتها القوى العالمية إلى الأحزاب النيبالية المعارضة أمام خيارين: إما الاستمرار في توظيف زخم الشارع لرفع سقف مطالبها، أو تحدي الدعوات الدولية بالتهدئة ما قد يؤدي إلى فقدان الدعم العالمي، لا سيما إذا عمت الفوضى أركان البلاد وتحققت المخاوف الدولية.
وأثناء إدلائه بخطابه يوم الجمعة ارتسمت على وجه الملك جيانيندرا ملامح جادة، حيث تعهد قائلاً "إن السلطة التنفيذية في مملكة نيبال التي أؤتمنا عليها سوف تعود ابتداء من هذا اليوم إلى الشعب". وفي الخطاب أيضاً دعا الملك زعماء تحالف الأحزاب المعارضة اقتراح تسمية رئيس وزراء جديد يسهر على تعيين أعضاء جدد للحكومة "ويتحمل مسؤولية حكم البلاد وفقا للدستور". لكن العديد من زعماء الأحزاب اعتبروا تصريحات الملك بعيدة عن تلبية كافة مطالبهم المتمثلة في إعادة البرلمان الأخير المنتخب الذي تم حله سنة 2002، واستدعاء أعضاء الجمعية الوطنية لكتابة دستور جديد يتوقع أن يحول منصب الملك إلى منصب رمزي ، أو ينهي النظام الملكي.
ويعيب المعارضون على الملك قفزه في خطابه عن مطالبهم بشأن إتاحة صلاحيات واسعة للحكومة الجديدة تمكنها من الوصول إلى تسوية متفاوض حولها مع المتمردين "الماويين" الذين خلف صراعهم للإطاحة بالملكية أكثر من 12 ألف قتيل. رام شاران ماهرات، وزير خارجية سابق وزعيم حزب "الكونجرس النيبالي" أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، وصف تصريحات الملك في حديث أجري معه عبر الهاتف بأنها "غير كافية ولا تلبي التطلعات الشعبية العريضة".
وجاء إعلان الملك بإرجاع السلطة التنفيذية إلى الشعب كمحاولة منه لإنهاء الاضطرابات التي عمت البلاد وأودت بحياة 14 شخصا، وأضرت باقتصاد يعاني سلفاً من هجمات المتمردين. غير أن تصريحات الملك لم تأت إلا في ظل تفاقم الاحتجاجات وازديادها حدة وبعدما غصت شوارع العاصمة بأكثر من 200 ألف متظاهر في تحد واضح لحظر التجول الذي فرضته السلطات. وحتى بعد إلقاء الملك لخطابه استمرت الاحتجاجات الشعبية في الشوارع، حيث اعتبرها العديد من الناس مجرد مناورة تهدف إلى الالتفاف حول مطالبهم. وفي هذا الصدد صرح "بريجيش شارما"، المهندس في الشركة الوطنية للاتصالات الهاتفية قائلاً "لقد تعرضت الديمقراطية لهجوم من قبل القصر الملكي مراراً في السابق، وستتواصل الاحتجاجات حتى نصل إلى ما نريده". وقد أدى الرد الحكومي القاسي ضد المتظاهرين والناشطين السياسيين إلى إدانة حادة من قبل الأمم المتحدة والدول الأجنبية بما فيها الولايات المتحدة. فقبل أن يلقي الملك خطابه صرح السفير الأميركي "جيمس موريارتي" أمام الصحفيين بأن موقف جيانيندرا المتصلب يضع عرشه في مهب الريح، قائلا "بدأ الوقت ينفد وسيكون على الملك التن