"طالما إسرائيل نووية، فلِمَ يُحظر على إيران؟" منطقٌ مفهومٌ في دول المواجهة مع إسرائيل أو المجاورة لها التي تخشى التسرّب النووي، لكنه يعصى على الفهم حين يردده كتّاب في صحف الإمارات التي قد يتسّرب إليها النووي، فضلاً عن ذاكرتها المحفورة بكل ما هو مريب من الجار النووي. إنها معضلات بعضها فوق بعض. أولها أنهم لا يتخيّلون المآل لو حدث التسرّب الإيراني، خاصة وأن "بوشهر"، أقرب للإمارات من طهران. أفلا يخشون، في أسوأ الفروض، على أنفسهم، إذا ما حصل المكروه النووي، وهلك الناس والجرائد معاً؟
أما الثانية، فتكمن في الروس، أساتذة الملالي، الذين فشلوا في تشيرنوبل قبل 20 عاماً ولا يزالون يحصون الأضرار: 300 ألف ضحية مباشرة وملايين غير مباشرين في أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا. وكان الأطفال يولدون ولهم رؤوس الحيوانات، واكتشفوا زيادة وفيات الأطفال وتشوّهات المواليد في إنجلترا، والمسافة بين كييف ولندن 2382 كلم. هذا حال البشر ولا تسأل عن الشجر والحجر. ناهيكم عن كوارث السفن والغواصات الروسية التي تسير بالدفع النووي. فأي نجاح يُتوقع لطالبٍ هذا أستاذه؟.
الثالثة في سجل إيران غير المشرّف. مرةً يرتفع جبلاً مصطدماً بطائرة، وليس العكس، ومرةً تترك الطبيعة كل طائرات الدنيا لتترصد الطائرات الإيرانية وتسقطها بالظروف الجوية، وثالثة تسقط طائرة لأن "الشيطان الأكبر" لم يزوّدهم بقطع الغيار. وأتوقع أنها الأولى كارثياً قياساً إلى حركة طيرانها. مع عدم إغفال التعتيم الإيراني المعروف. ومَنْ يكتم أخبارا داخلية، من المخيف أن تجاوره وهو يلعب بالنووي، خاصة وأن أساتذتهم لم يعلنوا انفجار مفاعلهم إلا بعد أن أعلنتها المراصد السويدية. فكيف، لمن كان هذا سجله، أن يتسلّح بالنووي أو يستخدمه سلمياً؟
المعضلة الرابعة أن هؤلاء، رغم حماسهم للملالي، إلا أنهم غير معنيين بالمرّة بالإيرانيين الذين فاقوا الشوام هجرةً وفراراً، وهم محظوظون مقارنة ببؤساء الداخل. أليس الإيرانيون أولى بالمليارات التي يبعثرها الملالي النوويّون؟ ومن يطفو على بحر من الطاقة وحوله ملايين الجياع، من العبث أن يسعى للطاقة البديلة.
أما الخامسة، ضد من سيوجّه السلاح النووي الإيراني، خاصة وأن كاتباً منهم يبدي تشكّكه شخصياً في كون البرنامج الإيراني سلميا معتبراً تصريحاتهم "تقية دبلوماسية". ضد أميركا مثلاً ومدى صواريخها بالكاد يصل أوروبا؟ أم ضد الإسرائيليين الذين يعيشون جنباً إلى جنب الفلسطينيين، وأي غبار نووي يصلهم، سيصبح سحابة نووية على الفلسطينيين، لأن الإسرائيلي، سيتخذ إجراءات احترازية، إلا إذا كان المقصود إنهاء القضية بمحو الجميع.
المعضلة السادسة، أن جلّ النوويين في العالم، لديهم برلمانات تراقبهم وتحاسبهم، والزرّ النووي ليس بيد شخص واحد، وفي إيران برلمان كذلك، لكن لا يدخله إلا مَنْ أَذِن له المرشد الأعلى الذي لا يُسأل عمّا يفعل.
أما الأخيرة، فمن المعروف، أن المهنيين على مستوى العالم، يقفون في صف زملائهم إذا ما ضيّقت عليهم حكوماتهم، وهاهي منظمة "مراسلون بلا حدود" تعتبر "نجاد" من أعداء حرية الصحافة، وهو نفسه الذي يدغدغ مشاعر هؤلاء بنوويه، وهذا مؤشر عدم توازن مهني.
لولا أن آراء الكتّاب لا تعبّر بالضرورة عن رأي الصحف، لظنّ المرء أنه يقرأ "كيهان العربي" أو "الوفاق"، لكن الظن يتحوّل إلى يقينٍ فيما يخص الكتّاب أنفسهم، أي اليقين ببروز ظاهرة "الملالي العرب" ولا ينقصهم بعد ذلك سوى الجّبة والعمامة.