تضع حكومة التحالف "اليميني" الجديدة في بولندا, سلسلة من العقبات أمام خطط التعاون الأوروبي- الروسي بعيد المدى في مجال الطاقة. ومهما يكن، فإن البولنديين محقون فيما يرونه ويعتقدونه. ذلك إن من رأيهم أن أوروبا قد تجاوزت منذ وقت ليس بالقريب, حدود اعتمادها على الطاقة الروسية. وبدلاً من ذلك, تقترح بولندا على دول الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو", تنويع مصادر طاقتها إلى جانب إنشاء الوسائل الفنية التي تمكنها من تبادل الدعم فيما بينها, في حال حدوث أي انقطاع في إمدادات الغاز الطبيعي الروسي. وبهذه المقترحات تكون بولندا قد ردت جزئياً على القرار الألماني, القاضي بإنشاء خط أنابيب جديد, يمتد من روسيا مباشرة إلى ألمانيا تحت مياه البلطيق, بدلاً من مده فوق سطح الأرض عبر الأراضي البولندية.
ومهما يكن, فإن بولندا ليست الدولة الوحيدة بين دول حلف "وارسو" السابق, ومن أعضاء الاتحاد الأوروبي الحالي, التي تبدي اعتراضاً على إفراط دول الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الطاقة الروسية. ومن ناحيتها أكدت بولندا أن المخاوف التي كانت قد ثارت في شهر يناير المنصرم من انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي إلى جمهورية أوكرانيا, لا تقل شأناً عن فرض العقوبات السياسية. وقد أدت تلك المخاوف إلى نقص في إمدادات الغاز الطبيعي الروسي, المتجهة إلى مستهلكي تلك الإمدادات, على طول خط الأنابيب الناقل. ولم يكن ذلك القرار من الحكمة في شيء, سواء من جانب الرئيس الروسي بوتين, أم من شركة "غازبروم" المنتجة للغاز الطبيعي الروسي. وكان الألمان الذين يتلقون نسبة تصل إلى 35 في المئة من حاجتهم من الغاز الطبيعي من روسيا, قد ترددوا في مناقشة الروس, واقتراح ترتيبات أخرى بديلة لتلك التي تراها بولندا, مخافة إثارة غضب موسكو التي لا غنى لهم عنها.
خوسيه مانويل باراسو, رئيس المفوضية الأوروبية, قال في تصريح له إن ما تريده روسيا هو سوق وعلاقات مستقرة مع أوروبا. ولما كانت أوروبا الموحدة بصدد فتح ملف أمن الطاقة, فقد تلقت إشارة روسية مثيرة للفزع في شهر يناير الماضي, عبر التهديد الذي وجهته لأوكرانيا, فيما يتصل بتدفق إمدادات الغاز الطبيعي إليها.
لكن وعلى رغم كل شيء, فإن البولنديين لا يخدمون موقفهم كما ينبغي, بتعنتهم وتمنعهم في التعاون مع الاتحاد الأوروبي في عدد من القضايا الحيوية التي تهم الأوروبيين كافة. والشاهد أن قانون الإجماع المعمول به حالياً داخل الاتحاد الأوروبي, كفيل بمنح بولندا قوة هائلة على ابتزاز الدول قديمة العضوية في الاتحاد. وكان الدستور الأوروبي الذي رفضته الاستفتاءات الشعبية التي أجريت في كل من فرنسا وهولندا العام الماضي, ينص على إلغاء قانون الإجماع الذي لا يزال سارياً حتى الآن. ومما زاد من حدة تعامل وارسو مع الاتحاد, وصول الحكومة "اليمينية" المحافظة الحالية إلى سدة الحكم. والمعلوم أنه يدعمها فصيل راديكالي مناوئ لأوروبا في أوساط الرأي العام البولندي.
صحيح أن الحكومة الحالية, زادت الطين البولندي بلة, إلا أن الحكومات التي سبقتها, ظلت محافظة هي الأخرى على سياساتها القائلة إن أوروبا هي من يحتاج إلى بولندا وليس العكس. كما ظلت أوروبا أقل أهمية بالنسبة لها من حلف "الناتو", وأقل كذلك بكثير من أهمية العلاقات المباشرة التي تمكنت بولندا من هندستها وتنميتها مع إدارة بوش. وفوق ذلك كله, فإن للبولنديين ما يضجرهم من السياسات الداخلية الألمانية, ومن مطالبات الألمان بالاعتراف والتعويضات لعدة أسر ألمانية, يُقال إنها طُردت من بولندا في نهاية الحرب العالمية الثانية, بسبب إبرام اتفاقية بوستدام. أما روسيا فقد سبق لها في الوقت ذاته غزو الحدود الشرقية من بولندا. كما يتساءل البولنديون عما فعلته كل من فرنسا وبريطانيا في عام 1939, لحظة الاجتياح النازي لحدود بلادهم الغربية, متزامناً مع الطعنة الخلفية التي وجهتها لهم روسيا في الجبهة الشرقية.
على نقيض ذلك تماماً, فإنه يطيب للبولنديين القول إن أميركا هي التي حررت بلادهم، ليس من الغزو النازي فحسب، بل ومن الهيمنة السوفييتية التي فرضت عليهم فرضاً بنهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن سرعان ما سيذهب الأميركيون, وتعود بولندا إلى أصلها وانتمائها الأوروبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع "تريبيون ميديا سيرفز"