بكل بساطة وبدون مقدمات تبرأ "الإخوان المسلمون" من أحد رموزهم.. وفجأة صارت الانتقادات تنهال على حسن الترابي أحد زعماء "الإخوان المسلمين" بعد فتاويه الأخيرة التي أثارت الكثيرين... حتى وقت قريب كان ينظر للترابي على أنه أحد الأشخاص الذين يقيمون "الدولة الإسلامية في السودان" وكان الفيلسوف والمنظر الذي يطرب لكلماته وانتقاداته وآرائه "الإخوان".. ولكن بعد إصداره فتاوى الحجاب والشهادة وغيرها لم يعد يتكلم عنه الإخوان وكأنه منهم بل على العكس صاروا يشيرون إليه وكأن لا علاقة لهم به، بل وكأن لم يكن يربطهم به أي شيء!... انقلاب كبير في الموقف ولكنه ليس انقلاباً غريباً فقد تعودنا من هؤلاء على ذلك فمن يستفيدون منه يوحون للعالم بأسره أنه منهم وإن لم تكن له علاقة بهم، ومن يشعرون أنه لا يفيدهم ينبذونه وكأنهم لم يعرفوه يوما وإن كان أحد رموزهم المعروفة!!
هذا الموقف ليس الأول ولن يكون الأخير، فهذه الجماعات التي لم تجد أفضل من الدين كي تستخدمه لتحقيق أهدافها "الدنيوية"، ولا تتردد في التعامل مع أية مشكلة تقع فيها وكأنها لم تكن لها أية علاقة بها بافتراض أن العالم مجموعة من الأغبياء يمكن خداعهم.
يجب أن يعرف كل من له علاقة بتلك الجماعات الإسلامية أنها سبب مهم في كل ما يصيب الإسلام والمسلمين اليوم لأنها لا تعطي الصورة الحقيقية عن الإسلام... ومن يؤمنون بتلك الجماعات وأفكارها يجب أن يعرفوا أن "طريقة الإيمان بالرؤيا هي إغماض العينين دون العقل"... فهذا ما قيل منذ زمن فمن الممكن أن نغمض أعيننا في لحظة إيمان ولكن لا يمكن أبداً أن نلغي تفكيرنا وعقولنا.. وإذا ما نجحت تلك الجماعات في إغماض عيون البعض وأخذهم إلى المجهول فيفترض أن تكون عقول أولئك يقظة ومدركة لما يحدث حولها بحيث لا تتورط فيما يضرها وغيرها.
عندما اشتعلت أزمة الرسوم الكاريكاتورية في الدانمرك لم توفر تلك الجماعات أي جهد أو وقت إلا واستغلته في استثارة الشارع العربي والإسلامي فقط من أجل أن تشعره بأنها هي الوحيدة التي تحمي الإسلام ورسوله، في حين أنها كانت تستثمر كل شعار ودعوة من أجل أهدافها الخاصة.. وتستغل مشاعر المسلمين الصادقة والغاضبة على الإساءة إلى شخص الرسول، صلى الله عليه وسلم، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
إن استمرار استخدام الجماعات الإسلامية للدين بالصورة التي صرنا نراها اليوم أمر جد خطير.. ففي الوقت الذي يقضي فيه كثير من المخلصين أوقاتهم في الحوار مع الشرق والغرب لنقل الصورة الحقيقية للإسلام فإن هذه الجماعات ترفض أي حوار حقيقي وصادق بين طرفين، فهي تريد أن تكون صاحبة الصوت العالي والرأي الوحيد.. ثم تأتي ومن خلال فرد واحد من أفرادها لتنسف كل الجهود التي بذلت من أجل إقناع العالم بأن الإسلام لا يمثله ذلك الإرهابي أو الآخر المتطرف الذي لا يرفض الآخر فقط بل وحتى يرفض نفسه، لذا من غير المقبول اعتباره نموذجا للإسلام والمسلمين.
التقى في الأيام الماضية في أبوظبي العديد من العلماء والمهتمين من مسلمين ودانمركيين من أجل حوار لإجلاء الصورة الحقيقية حول الإسلام، وكانت الجلسات مفتوحة والحوار سلساً وحراً تم من خلالها طرح الأفكار والتساؤلات في محاولة جادة من كلا الطرفين لفهم الآخر، ولا أشك أبداً في أن الطرفين لم يفهما بعضهما بعضاً فهماً تاماً، وهذا أمر طبيعي فالفجوة التي بيننا كعرب ومسلمين وبين الغرب كبيرة بسبب تقصير من الطرفين، والوصول إلى نقطة التفاهم يحتاج إلى جلسات ولقاءات واجتماعات متكررة وقبل كل ذلك يحتاج إلى نية حقيقية في فهم الآخر واستيعابه واحترام أفكاره ومعتقداته.
أكثر الطرق نجاحاً في تدمير أية أمة هي الديماغوجية -وهي سياسة تملق الشعب لتهييجه-... وواضح من خلال الأحداث التي مرت بها الأمة خلال السنوات الماضية كيف تعمل بعض الجماعات الإسلامية وكيف أنها تتملق الشارع العربي والإسلامي من خلال ادعائها أنها جماعات دينية تلتزم بالشريعة والقرآن والسنة، وأنها هي التي تدافع عن الإسلام وأية مسالة تخص المسلمين، في الوقت الذي توحي فيه بأن جميع الحكومات تقف متفرجة متمسكة بحسابات سياسية مع هذه الدولة أو تلك.. أما هي فليست لها أية حسابات غير الدفاع عن الدين ونشره بين المجتمع!!.. وعندما تجد هذه الجماعات فرصة لتهييج الشارع فإنها تختبر قوتها وأسلحتها والتاريخ يؤكد دائماً أن كثيرين هم الذين تملقوا الشعب دون أن يحبوه... في الماضي كانت الحكومات هي التي تمارس هذا الدور ولكن اليوم صارت جماعات إسلامية وغير إسلامية تتبنى هذا الأسلوب التدميري لأي شعب أو أمة.
منذ سنوات وشعوب المنطقة تعيش حالة من عدم الثقة في النفس بسبب بعض الأنظمة التي لم تراعِ حقوق شعوبها ولم تحترم رأيها ونتيجة الهزائم المتكررة التي منيت بها.. ثم جاءت أحداث سبتمبر لتقصم ظهر البعير ويشعر كل عربي ومسلم بأنه منبوذ من العالم بأسره بعد أن أصبح متهماً في كل مصيبة تحدث في هذا العالم.. إننا بحاجة حقيقية إلى أن نزيل أسباب الاحتقان وعدم الثقة في النفس ثم نبدأ في حوا