في افتتاحيتها الصادرة في الثامن عشر من شهر ديسمبر الجاري، وهي الافتتاحية التي ناقشت مقالي الأخير عن السياسات الخارجية الأميركية بعنوان (ما وراء التيار الرئيسي)، شوهت صحيفة ( الواشنطن بوست) آرائي مرتين: مرة فيما يتصل بموقفي من السياسات الخارجية، إضافة إلى تشويهها الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها رؤيتي لأفضل السبل الكفيلة بتعزيز أمننا القومي، وهي الرؤية التي أطرحها خلال الحملة الانتخابية المقبلة. فعلى سبيل المثال، أنا أدعم الجهود الدفاعية الصاروخية التي تهدف إلى جعل بلادنا أكثر أمنا وسلامة. غير أني في الوقت ذاته، أرفض نشر أية نظم دفاعية أخرى، لم تثبت فاعليتها من خلال التجربة العملية بعد. كما أفضل فكرة التفاوض المباشر مع كوريا الشمالية، مقابل العناد والتزام الموقف الرافض لأي تفاوض معها، سيما وأن هذا الموقف قد ساعد عمليا في تفاقم الوضع، ووصوله إلى مستوى الخطورة التي نشهدها اليوم. كما أن دعمي للدور الذي يلعبه الحرس القومي في تعزيز أمننا، يصعب وصفه بـ (الراديكالية) كما جاء في صحيفة البوست. بل الصحيح إنه الموقف الذي أيدته لجنة هارت-رودمان المؤلفة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ونصت عليه المادة الثامنة في الفقرة 15 من الدستور الأميركي.
الأهم من ذلك كله، أن افتتاحية البوست تكاد تطابق ما بين السياسات الخارجية التي تنتهجها إدارة الرئيس بوش، بما فيها بصمة (الضربات الوقائية) والتيار الرئيسي للسياسات الخارجية الأميركية. والصحيح هو أن السياسات التي اتبعتها إدارة بوش، هي التي تمثل مفارقة راديكالية كبيرة لعقود من الاتفاق الحزبي الثنائي، على الطريقة المثلى لاستخدام القوة الأميركية، وممارسة دورنا القيادي في المسرح الدولي.
فعبر معاملتها الطاردة للحلفاء الدوليين، ورفضها وخروجها عن أهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فضلت هذه الإدارة المضي في النهج الانفرادي الذي ارتأته لنفسها، فضلا عن العزم والإصرار على اللجوء إلى القوة كخيار أول ليس قبله خيار· وبالنتيجة، فقد أدى هذا النهج إلى إقصاء الحلفاء والأصدقاء، وتقوية شوكة الأعداء في ذات الوقت. أما الأجندة التي اتبعتها، فقد ضربت عزلة دولية على الولايات المتحدة، وحملتها وزر كافة المشكلات التي يشهدها المجتمع الدولي. وهي أجندة تناهض التقاليد والأعراف التي تواضعت عليها أميركا عبر تاريخها الطويل.
على نقيض ذلك، فإن رؤيتي للسياسات الخارجية الأميركية هي التي تعبر وتعكس أفضل ما في هذه التقاليد الأميركية الممثلة في التيار والمجرى الرئيسي لهذه السياسات. وإنني لعلى قناعة لا تتزعزع بأنه ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية أن تعود مجددا لممارسة دورها القيادي الدولي، عبر التعاون والعمل المشترك مع الحلفاء والشركاء, دفعا للمصالح المشتركة، بدلا من الإصرار على المضي في طريق نهج القوة الأحادية الذي نراه اليوم.
إن برنامجي الانتخابي لفي غاية الوضوح. فهو يقوم أولا على ضرورة تعزيز قدراتنا العسكرية وأجهزتنا الاستخباراتية. يتطلب ذلك أن نتأكد دائما من أن قواتنا تتمتع بأفضل تدريب عسكري، وأفضل معدات حربية، وأن نفي بما قدمناه لها من وعود مالية ومزايا. ثانيا لابد لنا من إعادة بناء تحالفاتنا الدولية التي طالما ألحقت بها ضررا بالغا هذه الإدارة. فعلى امتداد الحقب المتصلة منذ الحرب العالمية الثانية، ظل الرؤساء الأميركيون على تعاون غير منقطع مع الحلفاء، تعبيرا عن قناعة سياسية بأن ذلك هو النهج الأمثل للحفاظ على أمننا القومي. وفي هذه التحالفات الراسخة يكمن السبيل الناجع والأمثل لبناء السلام والأمن الدوليين، بدلا من التحالفات التكتيكية الرغبوية العارضة التي تميل لها الإدارة الحالية.
ثالثا أن يكون أوجب واجباتنا إلحاق الهزيمة الماحقة بأولئك الإرهابيين الذين تجاسروا على بلادنا وشنوا هجوما مدمرا عليها، وأن نحول بينهم والحصول على أسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها، البيولوجي منها والكيماوي والنووي، لكونها الأشد فتكا. كما يتعين علينا تعزيز هذه الأولويات خلال رفع وتحسين أداء قواتنا الخاصة، وكذلك تحسين أدائنا الاستخباراتي عبر أفضل تنسيق ممكن بين أجهزتها المختلفة، بما يؤدي لرفع مستوى أمننا القومي بدرجة كبيرة عما هو عليه الآن. وفي الجبهة الأمنية نفسها، فإننا في أمس الحاجة لبناء تحالف دولي ضد الإرهاب، يستمد قوته من العزم التحالفي القادر على دك حصون وقلاع وشبكات الإرهاب الدولي، أينما وجدت. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، فإني أعد ببناء صندوق دولي لمكافحة أسلحة الدمار الشامل، يشارك فيه الحلفاء الدوليون، على أن تصل ميزانيته إلى 60 مليار دولار.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن خدمة المصالح الاقتصادية الأميركية دوليا، تتطلب منا المزيد من التعاون وتمتين العلاقات مع الدول النامية. ويتحقق هذا عبر زيادة حجم الاستثمار والنشاط التجاري المتبادل، إضافة إلى تقديم المعونات، ودعم برامج الصحة العامة في تلك البلدان.
وفي اعتقادي أن هذه النقاط تمثل دعامة سيا