كثيرة هي الملفات والتعقيدات والمهام التي تواجه د. حنيف حسن وزير التربية والتعليم، فالإشكاليات التي تعانيها الوزارة عديدة ومتشابكة ومتداخلة بدرجة يصعب معها تصور وضع حلول جذرية لها في وقت قصير، ومن بين هذه الإشكاليات التي تتطلب علاجا طويل المدى، مشكلة الدروس الخصوصية التي تطل برأسها مع اقتراب موسم الامتحانات، حيث ترتفع الأسعار ويدخل المدرسون الخصوصيون في سباق مع الزمن لزيادة دخلهم المادي من استنزاف الجيوب والتربح من وراء اختلالات النظام التعليمي.
أكثر ما يلفت الانتباه أن الجميع يتعاطى مع ظاهرة الدروس الخصوصية بقدر هائل من اللامبالاة من دون وعي بخطرها على النظام التعليمي، فالإعلانات تنشر وتتداول سواء في الصحف التجارية أو في الشوارع والطرقات، و"التربيطات" على من يراهم الأهل مدرسين متميزين تبدأ مع نهاية كل موسم دراسي، و"الحجوزات" تبدو في أحيان كثيرة أصعب من إيجاد مقعد خالٍ على رحلة طائرة في حر أغسطس، وكأن ما يحدث هو نوع من الاعتراف المجتمعي الضمني بمشروعية الظاهرة، لاسيما بعد إخفاق وزارة التعليم في ملاحقة المدرسين الخصوصيين واكتفائها بإجراءات شكلية لذر الرماد في العيون في ظل غياب أي جزاءات أو آليات تردع محترفي الدروس الخصوصية، سواء من بين مدرسي الوزارة أو من خارجها.
من الصعب بالطبع إلقاء مسؤولية تفشي الدروس الخصوصية على وزارة التربية والتعليم بمفردها لأن أولياء الأمور يلعبون دورا بارزا في نشر الظاهرة وتوسيع دائرة الاعتماد عليها لأسباب واعتبارات تتفاوت من حالة إلى أخرى، ولكن النظام التعليمي هو من يدفع بالنهاية فاتورة أخطاء الجميع. ولذا من الخطأ الرهان على إمكانية اجتثاث الظاهرة عبر الملاحقات الإدارية أو القانونية لمرتكبيها، والبديل المنطقي هو معالجة الظاهرة عبر استئصال أسبابها ومبررات وجودها، سواء تمثلت هذه الأسباب في المناهج أو في أنظمة الامتحانات والتقويم أو في وجود شرائح من المدرسين غير المؤهلين تربوياً للتدريس. وهذا العلاج ربما يمتد لسنوات ولكنه يبدو العلاج الأجدى والأكثر فاعلية على المدى البعيد، لأن أي رهان على المواجهة الكلامية للظاهرة لن يقود إلى نتائج تذكر، خصوصا في ظل وجود قناعات راسخة لدى الكثير بأهمية الدروس الخصوصية كبوابة حتمية لمستقبل أفضل لأبنائهم، وأيضا في ظل قناعات منتشرة بدرجة ما بأن الدروس الخصوصية باتت جزءا من نسيج نظامنا التعليمي وأنها ظاهرة "عالمية" لا تقتصر على دولة الإمارات وغير ذلك من مبررات وأجواء سلبية يصعب في ظلها الرهان أو الاكتفاء بأي إجراءات إدارية لردع محترفي الدروس الخصوصية.
الدروس الخصوصية تحولت إلى "ثقب أوزون" يتسع تدريجياً ويهدد نظامنا التعليمي بمزيد من "التلوث" الذي لا يقل خطراً عن تأثيرات الاختلال البيئي، فهي تكرس نظاماً تعليمياً موازياً يرهق الأسر ويعوق التطوير ويفرز جيلاً متواكلاً يمتلك حصانة مسبقة ضد البحث والتفكير والإبداع وبذل الجهد، ولذا يبدو من الأهمية بمكان أن تدرس الظاهرة على أرض الواقع عبر دراسات مسحية شاملة لمختلف شرائح المجتمع للتعرف إلى تراتبية مواطن الخلل والدوافع المسببة والتركيز على معالجتها حسب أولويات التأثير والخطر، بدلا من الاكتفاء بوجهات نظر ربما تفتقر إلى الواقعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية