يتوجه البيروفيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس الجديد الذي سيقود البلاد خلال الفترة المقبلة، كما سيتم اختيار الأعضاء الجدد للبرلمان البيروفي المكون من 120 مقعداً. ورغم تعدد الأسماء التي تتنافس للفوز بأصوات الناخبين والظفر بكرسي الرئاسة في بيرو، انحصرت الحملة الانتخابية بشكل عام بين ثلاثة منافسين أقوياء يسيطرون على الساحة السياسية ويفرضون إيقاعهم. ويأتي في مقدمة المتنافسين المرشح القومي والضابط السابق في الجيش البيروفي "أولانتا هومالا"، وتليه مباشرة البرلمانية السابقة والمدافعة عن قطاع الأعمال واقتصاد السوق "لورديس فلوريس"، ثم يأتي أخيراً الرئيس السابق ذو الشخصية الكاريزمية "آلان جارسيا". ولو احتكمنا إلى استطلاعات الرأي لمعرفة الحظوظ المتاحة لكل مرشح على حدة لتبين لنا إجماع كافة الآراء المستطلعة على تزعم المرشح القومي "أولانتا هومالا" لسباق الانتخابات تليه مباشرة لورديس فلوريس، ثم في المرتبة الثالثة آلان جارسيا. ولأن المنافسة شديدة ومحتدمة بين المرشحين الثلاثة فإنه من غير المتوقع أن يحصل أولانتا، الذي ترشحه استطلاعات الرأي بالفوز في الانتخابات الرئاسية، على 50% من الأصوات اللازمة لحسم السباق في الجولة الأولى، ما يحتم عليه خوض جولة ثانية لحسم نتيجة الانتخابات. وتشير الاستطلاعات نفسها إلى أن حظوظ العضو السابق في البرلمان البيروفي "لورديس فلوريس" ستكون وافرة إذا ما خاضت الجولة الثانية من الانتخابات، إذ ترجح الاستطلاعات كفتها على منافسها الرئيس السابق "آلان جارسيا"، ما قد يؤهلها لأن تكون أول امرأة تصل إلى منصب الرئاسة في تاريخ بيرو.
وإذا كانت استطلاعات الرأي في بيرو لا تتفق دائما مع توقعاتها الأولى، وهو ما يفرض علينا الحذر في التعامل مع نتائجها، فإن الثابت في جميع تلك التوقعات هو إجراء جولة ثانية من الانتخابات وخوض "هومالا" لمعركتها. ويعزى عدم صدقية استطلاعات الرأي التي تجرى في بيرو إلى عادة مترسخة لدى البيروفيين تجعلهم لا يحسموا خياراتهم إلا بأيام قليلة قبل بدء الانتخابات. كما أن استطلاعات الرأي بالكاد تشمل 20% من السكان الأكثر فقراً في البلاد. وبالرجوع إلى الحملة الانتخابية نكتشف أن التنافس الدائر هو قائم على أساس الشخصيات، وليس السياسات العامة التي ينادي بها المرشحون. ومع ذلك يبقى التخفيف من وطأة الفقر قاسما ًمشتركا ًبين جميع البرامج الانتخابية، لا سيما في ظل معدلات الفقر المرتفعة التي تشهدها البلاد والتي وصلت وفقا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة 2006 إلى 54% من مجموع السكان. ولم تفلح نسب النمو التي عرفتها بيرو في السنوات الماضية، فضلا عن ارتفاع الصادرات، وتدفق الاستثمارات الخارجية وعائدات الضرائب من استئصال شآفة الفقر وتحسين المستوى المعيشي للمواطن البيروفي. وقد تعهد المرشحون الثلاثة للناخبين بخلق فرص عمل جديدة وإنعاش الاقتصاد، ثم توزيع عادل للثروة بين أفراد المجتمع. وبينما ركز "هومالا" بشكل لافت على تحسين الظروف المعيشية للفقراء، ذهب كل من "جارسيا" و"فلوريس" إلى التركيز على التوازنات المالية الكبرى للبلاد.
وبالطبع لا يمكن الحديث عن أميركا اللاتينية دون الإشارة إلى الولايات المتحدة التي تمارس تأثيراً كبيراً على أغلب دول أميركا الجنوبية. وفي هذا السياق قامت واشنطن بالتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع بيرو في شهر ديسمبر الماضي بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين، وتنمية المبادلات التجارية. وفيما رحب المرشحان "جارسيا" و"فلوريس" بالاتفاقية استنادا إلى موقفيهما المساند لاقتصاد السوق وتحرير التجارة، انتقد "هومالا" الاتفاقية وتعهد بوقف العمل بها في حال انتخابه رئيسا للبلاد. وقدر ركز أولانتا هومالا، الضابط السابق في الجيش البيروفي والمتصدر لاستطلاعات الرأي على شريحة الفقراء والناخبين القرويين، معتبرا أن إعادة توزيع ثروات البلاد على السكان وإصلاح الحكومة أحد أهم أولوياته. والأكثر من ذلك أثارت وعوده بتأميم قطاعات أساسية من الاقتصاد البيروفي، خصوصا في مجال التنقيب عن المعادن والغاز الطبيعي، وإعلانه عن رغبته في إعادة كتابة دستور البلاد جدلا واسعا في أوساط الصحفيين والأكاديميين، وبشكل أخص رجال الأعمال الذين يتخوفون من نهاية عهد حريتي الصحافة والتعبير في ولايته. ويعتبر "هومالا"، الذي يدعمه الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز بعدم انضمامه إلى صف القادة اليساريين في أميركا الجنوبية، وجها معروفا على الساحة السياسية في بلاده، حيث سبق وأن قاد محاولة انقلابية فاشلة سنة 2000 على الرئيس ألبرتو فوجيموري. ولا يخفي "هومالا" انتقاداته اللاذعة إلى الولايات المتحدة ومعارضته لمساعيها الرامية إلى القضاء على زراعة الكوكايين، بالإضافة إلى رفضه لاتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها بلاده مع واشنطن ودعمها الرئيس المنتهية ولايته "أليخاندرو توليدو".
أما فيما يتعلق بالمرشحة الثانية "لورديس فلوريس" المحامية والنائبة السابقة في البرلمان البيروف