إذا كان من الحصافة أن نعترف بأن هناك حالات تجاوز فردية في العلاقة بين بعض شركات القطاع الخاص والعمالة الوافدة، فإن من الضروري بالمقابل التأكيد على أن التقرير الصادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" بشأن العمالة الأجنبية في دولة الإمارات ينطوي على مغالطات بدائية لا تصدر عن أي مراقب أو متابع دقيق وموضوعي لهذا الملف. والمآخذ على هذا التقرير عديدة، ولكن يبرز من بينها استخدام مصطلحات وتعبيرات ومفاهيم فضفاضة لا تعبّر عن واقع الحال، وتسيء كثيرا لدولة تُتهم من جانب الكثيرين بالتساهل إزاء ممارسات عديدة ترتكبها شرائح عريضة من العمالة الأجنبية، مثل الهروب من شركاتهم، والإقامة غير الشرعية... إلخ، ومع ذلك لا تجابه هذه السلوكيات التي ترفضها أي مجتمعات تعتبرها المنظمة نموذجا بـ "ممارسات تعسفية" سواء من جانب الشركات أو من جانب الجهات الحكومية المعنية. كما أن من الإفراط والمبالغة غير المبررة والقفز إلى حكم جائر القول بأن العمال "يعاملون وكأنهم ليسوا بشرا"!!
ما يؤكد أيضا أن التقرير جانبه الصواب وسقط في فخ المعلومات المغلوطة، أنه يقطع يقيناً بأن "الحكومة الإماراتية لا تبدي أي استعداد للالتزام الحقيقي بوقف الإساءات المنهجية إلى العمال"، علماً بأن الجهات الرسمية الإماراتية جميعها أبدت طيلة الفترة الماضية ما يعكس صرامة شديدة وحرصا تاما على تفكيك أي إشكاليات عمالية وحلها بسرعة فائقة وعبر آليات متعددة وفاعلة، لدرجة تشكيل لجان عمالية موازية لدور وزارة العمل وتترأسها قيادات أمنية رفيعة كانت تتولى بنفسها تلقّي شكاوى العمال على خطوط هاتفية ساخنة، ولدرجة الانتصار للعمال ظالمين ومظلومين حرصاً على صورة الدولة في الخارج! والحديث في هذا المجال يطول، وموقف الدولة الرسمي الرافض لأي انتهاك لحقوق العمال واضح وصريح، وليس صحيحا ما تردده المنظمة بشأن عدم وجود أي استعداد رسمي للالتزام بوقف ما وصفته بـ"الإساءات المنهجية"، وهي عبارة لا يمكن لأي مراقب محايد قبولها والتسليم بأن ما يحدث من خروقات وتجاوزات فردية من جانب بعض الشركات يعبّر عن ممارسات "منهجية".
وبعيدا عن تفنيد كثير من المغالطات التي انطوى عليها تقرير المنظمة، فإن أكثر ما يثير الدهشة أن تتفنن المنظمة في إصدار هذا التقرير الذي يعبّر عن تصورات مبعثرة لا مرئيات محددة، ثم توفد بعد صدوره ما وصفته بـ"بعثة لتقصّي الحقائق" بشأن ظروف العمالة الوافدة في الدولة، ما يثير بدوره تساؤلاً بديهياً مفاده: لماذا لم تنتظر المنظمة حتى تطلع على حقيقة الأوضاع على الأرض، وتستمع إلى الأطراف كافة ثم تصدر ما تشاء من تقارير، على الأقل حتى تدرك حقيقة ما وقعت فيه من مغالطات حين قالت بأنها "فوجئت بأن حكومة الإمارات لا تحرك ساكناً لحل هذه المشكلة"، أو قولها في موضع آخر من التقرير: إن الحكومة "تتغاضى عن مشكلة ضخمة". ولو أن المنظمة تتابع بدقة لاكتشفت بسهولة شديدة جديّة الحكومة في تعقّب المخالفين والتصدي لهم، ثم ألم يكن من الأجدى أن تتأكد المنظمة من صدقية أحكامها على الدول؟ ألم يكن ممكنا سماع وجهة النظر المقابلة حتى تكتشف الحقائق وتدرك أن هناك تجاوزات، ولكنها تظل فردية ومحدودة مقارنة بإجمالي عدد العمالة الأجنبية، وهذا الكم الهائل من شركات القطاع الخاص؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية